mardi 23 septembre 2014

نظرية الإنتقالات Theory of Transitions

نظرية الإنتقالات (Theory of Transitions)
تقدم نظرية الإنتقالات الكبرى منظور علمي لتفسير التاريخ الإنساني من خلال تطور الإتصال وظهور الوسائل الإتصالية في كل مرحلة حيث كان لكل مرحلة نتائج عميقة سواء أكان ذلك على مستوى الفرد أم المجتمع. ومن المحتمل أن أول مرحلة من هذه المراحل هي عصر الإشارات والعلامات في بدايات عصر الحياة الإنسانية البدائية ومع تطور القدرة على التعليم عبر ملايين السنين أصبحت أنظمة الإتصال القائمة على العلامات والإشارات أكثر تعقيداً وإحكاماً وتأثيراً وأشد فعالية. المرحلة الأولى: عصر الإشارات والعلامات. لم يستطع أحد التوصل إلى أصول الكلام البشري، وتفترض معظم التخمينات أن البشر كانوا يعيشون في تجمعات صغيرة مثل الحيوانات منذ ملايين السنين، وفي وقت ما بدأوا يستخدمون أدوات بسيطة، و أنشأوا تقسيمات بدائية للعمل تعتمد على تخصيص المهام، وحتى في هذه الفترة فنحن نفترض أن الإتصال لعب دوراً رئيساً في تحديد المهام التي يتوقع أن يقوم بها الأفراد في التنظيم الإجتماعي، وفي نقل الخبرات المتراكمة للجماعة إلى الجيل التالي، فالبشر الأوائل كانوا يعتمدون على الإتصال للحفاظ على البناء الإجتماعي وتنشئة شبابهم كما نفعل نحن اليوم. والإحتمال الأرجح أن الإنسان البدائي مارس الإتصال من خلال عدد محدود من الأصوات التي كان قادراً من الناحية الجسمية والطبيعية على إصدارها مثل الزمجرة والهمهمة والدمدمة والصراخ، بالإضافة إلى لغة الجسد والتي كانت تشمل إشارات الأيدي والأرجل وحركات أخرى أكبر، وبعد ذلك تطورت هذه القدرات عبر مراحل زمنية إلى الأفضل في اتجاه أنماط معقدة وأكثر فعالية ودقة للإتصال على أساس قواعد مشتركة لتفسيرها وفهمها، ولم تكن هذه الأنماط مع الإتصال تسمح بالتطور الحضاري المؤثر أو السريع. والناس في عصر الإشارات والعلامات كان يتعين عليهم التمسك بان تكون رسائلهم بسيطة، وبان ينقلوا هذه الرسائل بطريقة بطيئة وسهلة، فكما كانت أدوات الإنسان القديم بدائية، كانت طرق اتصالهم غير كافية ومزعجة إذا ما قورنت بنظم اللغة والتخاطب، وكان لهذه القدرة المحددة على الإتصال تأثير هام على الحياة الإجتماعية وخاصة بالنسبة لعمليات التفكير، حيث تشير الدلائل على أن الأساليب التي نستخدمها في الإتصال مع الآخرين هي ذاتها التي نستخدمها في الإتصال مع أنفسنا، حيث أن التفكير شكل داخلي من أشكال اللغة. وهكذا فان عمليات الإتصال التي لم تتجاوز الأصوات والإيماءات البدائية ولغة الجسد وما أشبه، وضعت قيوداً هائلة وحتمية على قدرة الإنسان القديم على التفكر والإبتكار، وكانت النتيجة بطء التقدم الحضاري بشكل واضح. المرحلة الثانية: عصر التخاطب واللغة. يبدو أن اللغة أو التخاطب قد ظهرت في وقت ما، خلال الفترة ما بين 35-40 ألف سنة مضت بين مخلوقات تشبه الجنس البشري الحالي من الناحية الجسمية ويطلق عليها اسم “إنسان الكرومانيون” الذي عُثر على بقاياه في كهف كرومانيون بفرنسا. بدأ إنسان الكرومانيون قبل عشرة آلاف عام من ميلاد المسيح يبتكر العناصر المختلفة التي كان يحتاجها ليعيش حياته كمزارع أو فلاح، وكانت المسالة في البداية نوعاً من الزراعة الطبيعية، أي نثْر البذور ثم العودة في وقت لاحق لجمع الحصاد، وقد تم ترويض الحيوانات واستئناسها خلال تلك الفترة، وفي حوالي عام (6500) قبل الميلاد بدأت حياة الزراعة الدائمة والقرى المستقرة، وأصبح الوجود الإنساني أكثر أمناً وانتظاماً، وعاش الناس أعماراً أطول واتسع نطاق التجمعات السكانية. وكانت منطقة الهلال الخصيب تعج بالمدن القديمة وبقايا حضارات ما قبل التاريخ، ولم يتعلم الناس فقط العمل في الزراعة وتربية الحيوانات وعبادة الآلهة، ولكنهم ابتكروا أساليب جديدة لإستخدام المعادن والنسيج وصناعة الفخار، وأصبحت لغة التخاطب أكثر تنوعاً مما ساعد على انطلاقات كبرى في التطور الإنساني. والدرس الهام الذي يجب أن نتعلمه من نظريتنا السريعة لتطور التخاطب واللغة هو أن هذا الشكل من السلوك الإنساني كانت له نتائج عميقة سواء كان ذلك بالنسبة للأفراد أو للمجتمع، فقد ساعدت اللغة على تمكين الجنس البشري من التأقلم مع بيئة الطبيعة الإجتماعية بوسائل لم تكن مطروحة في عصر الإشارات والعلامات، وقد أتاح التحول إلى الإتصال باللغة إحداث تعديلات مثيرة للوجود الإنساني، حيث انتقلت مجتمعات عديدة من أسلوب الحياة بالصيد وجمع الثمار تطوير حضارات كبرى، ومع انه لم تكن اللغة وحدها هي التي أحدثت كل ذلك، فان مثل هذه التغيرات كان من المستحيل أن تتم بدون اللغة. المرحلة الثالثة: عصر الكتابة. استغرق الإنسان ملايين السنين حتى توصل إلى القدرة على استخدام اللغة، واستغرق الأمر عدة قرون حتى أصبحت الكتابة إحدى حقائق الحياة الإنسانية. إن قصة الكتابة هي قصة الإنتقال من الكتابة التصويرية عن طريق الصور والرسومات المعبرة إلى الكتابة الرمزية التي تستخدم حروف بسيطة للتعبير عن أصوات محددة، ثم الكتابة الألفبائية التي يمكن تحديد تاريخها بالألف الأول قبل الميلاد في منطقة الشرق الأدنى القديم، وسوف نعرض ذلك على النحو التالي: الكتابة التصويرية: كانت الرموز التصويرية هي الخطوة الأولى في تطور الكتابة، ولكنها لم تبدأ إلا بعد فترة من استقرار نظام الزراعة، وكان أهم أسباب تطوير الكتابة حاجة الناس إلى وسائل لتسجيل حدود الأرض والملكية وعمليات البيع والشراء، وقد واجه المصريون القدماء الحاجة إلى التنبؤ بسلوك نهر النيل حيث كانت الأرض المحيطة بالنيل هي القابلة للزراعة، وكان الفيضان يغرق نسبة كبيرة من الأراضي كل سنة، ويفيض على الأرض المزروعة بتربة غنية من الطمى، واكتشف المصريون أن هناك نجم ما يتوافق ظهوره مع فترة الفيضان وجعلهم ذلك يطورون نظاماً لتحديد الشهور والعام الشمسي، وكانت الكتابة التصويرية تستخدم بشكل رئيسي في تزيين المقابر والمعابد والآثار، وبعد زيادة انتشار الكتابة التصويرية وزيادة تبسيطها خرج من باطنها أسلوب الكتابة الهيروغليفية. ومنذ نحو ستة آلاف عام، بدأت تظهر النقوش المعبرة عن معاني، وقد حدث ذلك في مصر ومملكة بين النهرين، وكانت هذه النقوش عبارة عن صور بدائية مرسومة أو محفورة على الجدران والأسطح، وتم وضع هذه الرموز في صيغ اصطلاحية متفق عليها، فالرسم البسيط لشروق الشمس يعني اليوم، ورسم القوس والسهم يعني الصيد، ورسم الإنسان يعني الرجل، والخط المتعرج يعني البحيرة أو النهر، وهكذا فان الربط بين عدة رسومات يمكن أن يحكي قصة عن الصيد أو الحروب أو طقوس العبادة، وقد سمحت هذه المعاني بتخزين المعلومات وأصبح انتقال الأفكار ممكناً بهذه الطريقة من شخص لآخر. وقد ابتكر المصريون القدماء نظام النقوش البارزة الدقيقة أو الرموز الشخصية، وكانت هذه الرموز تستخدم الحفر على الحجر في البداية ثم أصبحت تُرسم وتُلوّن بعد ذلك. الكتابة على أساس النطق.: طور السومريون (العراقيون) نمطاً آخر من الكتابة التي تعتمد على الرموز التي تعكس أصواتاً محددة، ففي حوالي عام 1700 قبل الميلاد توصل السومريون إلى فكرة أن يعبر كل رمز صغير عن صوت محدد بدلاً من أن يعبر عن فكرة أو شيء، وكانت قيمة هذا الإبتكار هائلة، فبدلاً من آلاف الرموز المنفصلة أصبح المطلوب عدد أقل من الرموز للتعبير عن أصوات المقاطع التي تتكون منها الكلمات، وكان ذلك هو الخطوة في تطوير الكتابة الصوتية، وقد ساعد هذا التطور على تيسير وتسهيل معرفة القراءة والكتابة، حيث أصبح على المرء أن يتذكر فقط مائة رمز أو نحو ذلك لمعرفة مختلف المقاطع الصوتية في اللغة. الكتابة الألفبائية: ظهرت الكتابة الألفبائية (التي تعتمد على الحروف) منذ حوالي سبعمائة عام قبل الميلاد وانتشرت بسرعة نسبية في أنحاء العالم القديم، وبعد عدة قرون وصلت إلى بلاد الإغريق، وتعتمد فكرة الكتابة الألفبائية على استخدام رموز الحروف للتعبير عن الأصوات الساكنة والمتحركة بدلاً من المقاطع الصوتية، وكان ذلك تقدماً كبيراً لأن عدد الحروف قد نقص كثيراً إلى أقل من مائة رمز، واليوم على سبيل المثال: لدينا 26 حرفاً هجائياً في اللغة الإنجليزية، و28 حرفاً في اللغة العربية. لقد أصبحت حروف الكتابة أحد أهم منجزات الجنس البشري في كل العصور، إلى جانب اختراع الأدوات واكتشاف النار واللغة نفسها، ولولا حروف الكتابة هذه لظلت الغالبية العظمى من سكان العالم تعاني من الأمية. الدلالة الإجتماعية لعصر الكتابة: أدى ظهور الكتابة وتطورها في أماكن عديدة من العالم إلى بروز نوعين من القوة للأشخاص المستخدمين لمهارات الكتابة والقراءة، وهما: السيطرة على الطبيعة: وذلك من خلال تدوين اكتشافات علم الفلك من جانب المصريين واستخدامه في التنبؤ بسلوك نهر النيل، وابتكار تقاويم للشهور والسنوات، وحدث نفس الشيء فيما بعد في مجتمعات أخرى مثل مجتمعات “المايا” في هندوراس بوسط أمريكا حيث تم اكتشاف وتدوين العلاقة بين مواسم الحصاد وحركات الشمس والقمر والنجوم، والتنبؤ بمواسم المطار وأفضل أوقات الزراعة والحصاد وتحديد الشهور والأيام في رموز أو كود. السيطرة على الناس: فمنذ نحو أربعة آلاف سنة قبل الميلاد كان المصريون يسجلون انجازات الملوك القادة، ويؤرخون للحروب والأحداث السياسية، والمناسبات الدينية، ومال تزال هذه الآثار موجودة تزين المعابد والأحجار وحدث نفس الشيء في مجتمعات “المايا” بوسط أمريكا وفي الصين وأماكن أخرى، وفي المجتمعات القديمة اقترنت المعرفة والسلطة بمهارة استخدام الكتابة والقراءة، وكان اكتساب هذه المهارات مصدراً عظيماً للسلطة والمكانة، ولذلك كانت قاصرة على الحُّكام والكهنة وصفوة المجتمع، ففي مصر على سبيل المثال: كان يتم استخدام أوراق البردى على نطاق واسع لنقل التعليمات المكتوبة والمعلومات المسجله بطرق عديدة، وكان تعلم الكتابة والقراءة يعد مهارة ذات قيمة تتيح لمن يتقنها السلطة والمكانة الإجتماعية والدينية. ولعل النقطة الأكثر أهمية في هذا التحول من استخدام الأحجار الثقيلة إلى وسائط الكتابة المحمولة الخفيفة هي إمكانية حدوث تغييرات ذات دلالة في النظام الإجتماعي وثقافة المجتمع، حيث تحولت تكنولوجيا الإتصال إلى وسائط محمولة وخفيفة، بالإضافة إلى استخدام نظام من الرموز المكتوبة يمكن إنتاجها بسرعة وقراءتها بسهولة مما أوجد ظروفاً ضرورية للتغيرات الإجتماعية والثقافية. المرحلة الرابعة: عصر الطباعة. إلى جانب الكتابة، تعد الطباعة احد أبرز الإبتكارات البشرية في كل العصور، وكان إنتاج الكتب قبل ظهور الطباعة يتم عن طريق النسخ اليدوي، ومع أن العديد من هذه الكتب القديمة كانت تعتبر تحفاً فنية عظيمة، إلا أن عملية النسخ اليدوي غالباً ما كانت عرضة لحدوث أخطاء، وكان عدد الكتب المتاحة محدوداً للغاية، ولم يكن يستطع امتلاكها سوى القادرين وذوي النفوذ والوفرة المالية، وقد أحدثت الطباعة تغييراً مذهلاً، حيث أصبح من الممكن إنتاج آلاف النسخ من الكتاب الواحد بقدر كبير من الدقة والسرعة. ويرجع الفضل إلى “يوحنا جوتنبيرج” وكان صائغاً في مدينة “منيز” بألمانيا في التوصل إلى طريقة فريدة في الطبع، فبعد تجارب عديدة طوّر “جوتنبيرج” فكرة عمل ختم من الصلب لكل حرف بحيث يكون الحرف محفوراً بدقة وبطريقة معينة، وبعد ذلك قام بطبع صورة هذا الحرف عن طريق الضغط على مربع من معدن أكثر ليونة مثل النحاس الأصفر، وكان يقوم بوضع قالب من الصلصال حول الأثر الذي تركه الحرف المصنوع من الصلب على النحاس حتى يقوم بعد ذلك بصب الرصاص المنصهر فيه لعمل قالب مصبوب من الحرف، ويمكن استخدام هذا القالب لصب أي عدد من الحروف يحتاجها عامل الطباعة، وبعد ذلك يمكن رص الحروف وجمعها فوق لوحة لتشكيل لوحات وجمل، ويتم ضبط هذه الحروف بإحكام حتى لا تتحرك ثم تحبيرها وتضغط عليها قطعة من الرق أو الورق فتنتج صورة واضحة تماماً، وقد اتضح أن معدن الرصاص لين أكثر من اللازم واكتشف “جوتنبيرج” في النهاية طريقة لخلط الرصاص بمعادن أخرى لعمل نوع من السبيكة التي حققت نتائج ممتازة. وكانت المشكلة الوحيدة المتبقية هي المطبعة، وقد حصل “جوتنبيرج” على آلة ضخمة لعصر النبيذ وأدخل عليها تعديلات كثيرة مثل توفير سطح توضع عليه لوحة الحروف وسطح أملس للضغط على الورقة التي ستتم الطباعة عليها، وتم تشغيل هذه المطبعة بنجاح بعد وضع الحبر على الحروف، وكانت النتيجة ممتازة حيث ظهرت الحروف واضحة ونظيفة، وكان ذلك في عام 1436م. وكان “جوتنبيرج” يشعر بالقلق لأنه لم يكن واثقاً من أن اختراعه الذي استغرق عشرين عاماًً لإكماله سوف يحظى بالإنتشار على نطاق واسع، وكان متخوفاً من أن يفضل القادرون الكتب المنسوخة يدوياً وان ينظروا إلى اختراعه على انه نوع من التقليد الرخيص، وقد كان ذلك احد الأسباب التي دفعته إلى أن يكون مشروعه الأول هو طبع إنجيل مزين بأشكال جميلة حتى يستطيع تسويقه إلى الأغنياء، ويعد الإنجيل الذي طبعه “جوتنبيرج” هو أروع فن الطباعة التي تم انجازها على الإطلاق. ومع مولد القرن السادس عشر، كانت المطابع تنتج آلاف النسخ من الكتب المطبوعة على الورق، وكان يتم نشر وتوزيع هذه الكتب بجميع اللغات الأوروبية، وهكذا أصبح من الممكن أن يقرأها أي شخص ملم بلغته الأصلية، وأدى انتشار هذه الكتب إلى زيادة الإهتمام بتعلم القراءة. وقد أدى انتشار المطابع وظهور كتب رخيصة الثمن إلى بداية الثورة على التعاليم الدينية، وأدى ظهور المذهب البروتستانتي إلى المزيد من التغييرات العميقة التي كان لها أثرها على المجتمع الغربي حتى يومنا هذا. وظهرت الفكرة الأساسية للصحيفة في وقت مبكر بعض الشيء في انجلترا وأمريكا، وقد تأسست صحافة المستعمرات الأمريكية قبل سنوات من قيام الولايات المتحدة كدولة جديدة، وعندما توفرت الوسائل الكفيلة بإصدار جريدة رخيصة الثمن للتوزيع على نطاق واسع، وعندما تم تطوير الجوانب الفنية الخاصة بسرعة الطبع والتوزيع، ظهرت الصحافة الجماهيرية التي عرفت باسم “صحيفة البنس” إشارة إلى أن ثمنها لا يتجاوز بنساً واحداً، وقد حدث ذلك في مدينة نيويورك، وقد حققت هذه الصحيفة الجماهيرية نجاحاً كبيراً، وخلال سنوات قليلة انتشرت في أجزاء عديدة من العالم. وفي نهاية القرن التاسع عشر، أصبح واضحاً لرواد علم الإجتماع في ذلك الحين أن وسائل الإعلام المطبوعة (الكتب والصحف والمجلات) تقوم بأحدث تغييرات جذرية في الظروف الإنسانية، وعلى سبيل المثال أكد عالم الإجتماع الأمريكي “تشارلز هورتون كولى” في عام 1909 أن وسائل الإعلام المطبوعة كانت أكثر تأثيراً من حيث قدرتها على التعبير ونقل الأخبار والمشاعر على نطاق واسع، والتغلب عل المسافة من خلال سرعتها في الوصول إلى القارئ، وكذلك من خلال خاصية الإنتشار والوصول إلى جميع الطبقات، وكان من الواضح أن عصر الإتصال الجماهيري سوف يلغي حدود العزلة بين الناس في العالم، وسوف يحقق تغييرات كبيرة في تنظيم وعمل المجتمع، وكما قال “كولى” : ” إن الإعلام الجديد يمثل ثورة في جميع مراحل الحياة، في التجارة والسياسة والتعليم، وحتى في الأمور الإجتماعية والثرثرة”. المرحلة الخامسة: عصر الإتصال الجماهيري. مع ظهور ونجاح الصحافة الجماهيرية، بدأت سرعة نشاط الإتصال البشري في الزيادة الطردة، فقد شهد القرن التاسع عشر معالم ثورة وسائل الإتصال الجماهيرية التي اكتمل نموها في النصف الأول من القرن العشرين، فقد شهد القرن التاسع عشر ظهور عدد كبير من وسائل الإتصال استجابة لعلاج بعض المشكلات الناجمة عن الثورة الصناعية، فقد أدى التوسع في التصنيع إلى زيادة الطلب على المواد الخام، وكذلك التوسع في فتح أسواق جديدة خارج الحدود، كما برزت الحاجة إلى استكشاف أساليب سريعة لتبادل المعلومات التجارية، وبالتالي أصبحت الأساليب التقليدية للإتصال لا تلبي التطورات الضخمة التي يشهدها المجتمع الصناعي، وقد بذلت محاولات عديدة لإستغلال ظاهرة الكهرباء بعد اكتشافها، وظهرت مخترعات جديدة نتيجة اكتشاف الطاقة الكهربائية. وفي عام 1824 اكتشف العالم الإنجليزي “وليم سترجون” الموجات الكهرومغناطيسية، واستطاع “صمويل مورس” اختراع التلغراف عام 1837، وابتكر طريقة للكتابة تعتمد على استخدام “النقط والشرط” وقد تم مد خطوط التلغراف السلكية عبر كل من أوروبا وأمريكا والهند خلال القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من أن التلغراف ليس وسيلة اتصال جماهيرية إلا انه كان عنصراً هاماً في تكنولوجيا الإتصال التي أدت في النهاية إلى وسائل الإتصال الإلكترونية. ففي عام 1876 استطاع “جراهام بيل” أن يخترع التلفون لنقل الصوت إلى مسافات بعيدة مستخدماً تكنولوجيا التلغراف، أي سريان التيار الكهربائي في الأسلاك النحاسية مستبدلاً بمطرقة التلغراف شريحة رقيقة من المعدن تهتز حين تصطدم بها الموجات الصوتية، وتحول الصوت إلى تيار كهربائي يسري في الأسلاك، وتقوم سماعة التليفون بتحويل هذه الذبذبات الكهربائية إلى إشارات صوتية تحاكي الصوت الأصلي. وفي عم 1877 اخترع “توماس اديسون” جهاز الفونوغراف ثم تمكن العالم الألماني “اميل برلنجر” في عام 1887 من ابتكار القرص المسطح flat disk الذي يستخدم في تسجيل الصوت، وبدأ تسويق آلة الفونوغراف كوسيلة شعبية جذابة منذ 1890 لتقديم الموسيقى في الأماكن العامة. وفي عام 1895 شاهد الجمهور الفرنسي أول العروض السينمائية، ثم أصبحت السينما ناطقة منذ عام 1928. وفي عام 1896 استطاع العالم الإيطالي “جوجليلمو ماركوني” اختراع اللاسلكي، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يتنقل فيها الصوت إلى مسافات بعيدة بدون استخدام أسلاك. وكان الألمان والكنديون أول من بدا في توجيه خدمات الإذاعة الصوتية المنتظمة منذ عام 1919 ثم تبعهم الولايات المتحدة في عام 1920. كذلك بدأت تجارب التلفزيون في الولايات المتحدة منذ أواخر العشرينيات مستفيدة بما سبقها من دراسات وتجارب في مجال الكهرباء، والتصوير الفوتوغرافي، الإتصالات السلكية واللاسلكية، وفي أول يوليو 1941 بدأت خدمات التلفزيون التجاري في الولايات المتحدة. وخلال القرن العشرين اكتسبت وسائل الإتصال الجماهيرية أهمية كبيرة وخاصة الوسائل الإلكترونية باعتبارها قنوات أساسية لنقل الأخبار والمعلومات والترفيه واصطبحت برامج التلفزيون تعكس قيم المجتمع وثقافته وأنماط معيشته وعكست برامج الراديو اهتمامات الناس وقضاياهم الحالية، وقدمت الأفلام السينمائية واقع المجتمع وأحلامه، وساعدت الإعلانات في تلبية حاجات الناس إلى السلع والخدمات وعبرت التسجيلات الموسيقية عن التحرر العاطفي والإسترخاء والتفكير، وأصبحت وسائل الإتصال الإلكترونية وفق هذا المفهوم النافذة السحرية التي نرى من خلالها أنفسنا وعالمنا. المرحلة السادسة: عصر الإتصال التفاعلي. شهد النصف الثاني من القرن العشرين من أشكال تكنولوجيا الإتصال ما يتضاءل أمامه كل ما تحقق في عدة قرون سابقة، ولعل من ابرز مظاهر تلك التكنولوجيا ذلك الإندماج الذي حدث بين تكنولوجيا الحاسبات الإلكترونية واستخدامها في تخزين واسترجاع خلاصة ما أنتجه الفكر البشري بأسرع وقت ممكن وفي أقل حيز متاح، وتكنولوجيا الأقمار الصناعية التي ساعدت على نقل الرسائل بشتى صورها عبر الدول والقارات بشكل فوري. وقد ظهر في العقود الماضية ابتكارات عديدة في صناعة الإتصال نتيجة طلب السوق الإستهلاكية ودفع التكنولوجيا وقد تمثل طلب المستهلكين من خلال الرغبة في الحصول على المعلومات بشكل فوري ودقيق والإتصال مع أماكن بعيدة جغرافياً، والحصول على خدمات سريعة مثل: شراء السلع والبضائع والمعاملات البنكية والتعرف على نظم البيئة وتغيراتها المحتملة، أما دفع التكنولوجيا فقد انعكس في إتاحة وسائل جديدة مثل الحاسبات الإلكترونية، والإتصالات الفضائية وإمكانية الإتصال المباشر بقواعد البيانات، وظهور انتشار التلفزيون الكابلي التفاعلي، وخدمات الفيديوتكس، والتليتكست، والفيديو ديسك، ونظم الليزر، والميكروويف، والألياف الضوئية، والإتصالات الرقمية، وخدمات الهاتف المحمول، والبريد الإلكتروني، وعقد المؤتمرات عن بعد. وتميزت التكنولوجيا الجديدة للإتصال في النصف الثاني من القرن العشرين بمجموعة من السمات نوجزها باختصار فيما يلي: 1. التفاعلية: حيث يتبادل القائم بالإتصال والمتلقي الأدوار، ويطلق على القائمين بالإتصال لفظ مشاركين بدلاً من مصادر، وتكون ممارسة الإتصال مع المتلقي ثنائية الإتجاه وتبادلية. 2. التفتيت: وتعني تعدد الرسائل التي يمكن الإختيار من بينها لتلائم الأفراد أو الجماعات الصغيرة المتجانسة بدلاً من توحيد الرسائل لتلائم الجماهير العريضة. 3. اللاتزامنية: وتعني إمكانية إرسال واستقبال الرسائل في الوقت المناسب للفرد المستخدم للإتصال، ففي حالة البريد الإلكتروني يمكن توجيه الرسائل في أي وقت بغض النظر عن تواجد المتلقي للرسالة في وقت معين. 4. الحركة والمرونة: حيث يمكن تحريك الوسائل الجديدة إلى أي مكان مثل الحاسب الشخصي والتليفون المحمول وكاميرات الفيديو المحمولة. 5. قابلية التحويل: حيث أتاح الإتصال الرقمي إمكانية تحويل الإشارات المسموعة إلى رسائل مطبوعة ومصورة والعكس. 6. قابلية التوصيل: وتعني إمكانية دمج الأجهزة ذات النظم المختلفة بغض النظر عن الشركة الصانعة. 7. الإنتشار: ويعني تحويل الوسائل الجديدة من مجرد ترف وإضافات إلى وسائل ضرورية ووظيفية، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في حالة انتشار التيلفون المحمول عل نطاق واسع. 8. الكونية: حيث أصبحت بيئة الإتصال بيئة عالمية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

الترجمة

عن المدونة

نسعى في هذه المدونة الى عرض آخر الاصدارات من كتب ومجلات علمية في مجال الاعلام والاتصال وخاصة في ما يتعلق بنظريات الاعلام والاتصال ومنهجية البحث العلمي لتكون بذلك هذه المدونة مصدرا لطلاب العلم وتكون فضاءا لتبادل المعلومات والافكار

Membres