samedi 4 juillet 2015

Marshall McLuhan


الشبكات الاجتماعية والتحول المجتمعي

الاستاذ الصادق الحمامي في حصة تلفزيونية حول  التكنولوجيات الحديثة 

كتاب الاعلام والمجتمع

الاخلاق في المجتمع الاعلامي

الارهاب والانترنيت

http://doras.dcu.ie/515/1/parliamentary_affairs_59_2.pdf

Mass Media Dependency Theory

وجدي حلمي عيد عبدالظاهر

نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام Mass Media Dependency Theory

فى ظل تزايد المعلومات في العصر الحديث ، أصبحت المعلومات تمثل مصدر قوة وتميز لمن يمتلكها ولمن يستطيع الوصول إليها ، فعلى المستوي العام للمجتمع ، تسعي معظم الأنظمة ، كالنظام السياسي والاقتصادي وغيرها إلى الحصول على المعلومات من أجل بقاء النظام وقدرته على التفاعل مع المجتمع والأنظمة الأخرى ، وعلى المستوي الخاص للأفراد يسعى كل فرد إلى الحصول على المعلومات لتحقيق الأهداف الاجتماعية والنفسية وتعتبر وسائل الإعلام أحد مصادر المعلومات الهامة والرئيسية التي يعتمد عليها الأفراد في العصر الحديث().
وقد اعتمد واضعوا نظريات وسائل الإعلام الأوائل على منطق "دوركهايم" في صياغة الرأي القائم بأن خليطاً من التعقيد الاجتماعي ، وتوافق الرأي المحدود ، وعدم وجود قواعد، والابتعاد النفسي أو العزلة ، هي العوامل التي يمكن أن تصنع وسائل إتصال جماهيرية قوية، والمعتقد أنه في مثل تلك الظروف يمكن إقناع الأشخاص بسهولة وتغيير مواقفهم بواسطة وسائل الإعلام().
ويعتبر الاعتماد على وسائل الإعلام ضرورة أساسية في المجتمعات الحديثة ، حيث يستطيع الفرد إدراك هذا الاعتماد بالتدريج منذ الحاجة إلى معرفة أفضل المشتريات في الأسواق وانتقالاً إلى احتياجات أكثر شمولاً واكثر تعقيداً كالرغبة في الحصول على معلومات عن العالم الخارجي لكي يتفاعل معه().
ونظراً لاختلاف الأفراد في أهدافهم ومصالحهم فإنهم أيضاً يختلفوا في درجة الاعتماد على وسائل الإعلام ، وبالتالي يشكلون نظماً خاصة لوسائل الأعلام ترتبط بالأهداف والحاجات الفردية لكل منهم وطبيعة الاعتماد ودرجته على كل وسيلة من الوسائل في علاقتها بهذه الأهداف ، ويترتب على اشتراك الأفراد في بعض الأهداف ودرجة الاعتماد على الوسائل التي تحقق هذه الأهداف ظهور نظم مشتركة لوسائل الإعلام بين الفئات أو الجماعات ، وعلى سبيل المثال يجتمع الأفراد الذين يهتمون بالشئون المحلية بدرجة كبيرة في فئة لها نظامها الإعلامي الخاص عندما تري أن هذا الاهتمام يتحقق من خلال قراءة الصحف المحلية ، وغيرهم في فئات تبحث عن التسلية والاسترخاء من خلال برامج معينة في التليفزيون ... وهكذا يوحي هذا التقسيم فئات بوجود نظم متفاوتة لوسائل الإعلام بالنسبة للأفراد تحددها طبيعة الأهداف، ودرجة الاهتمام بها وطبيعة الاعتماد على وسائل معينة ودرجته في تحقيق هذه الأهداف().
فكرة نظرية الاعتماد:
مع تعقد الحياة في المجتمعات الحديثة ، والتقدم المستمر في تكنولوجيا وسائل الإعلام ، تتزايد أهمية وسائل الإعلام في نقل المعلومات ، ففي المجتمع الأمريكي على سبيل المثال ، فإن وسائل الإعلام تقوم بمجموعة متنوعة من الوظائف منها تقديم معلومات عن الحكومة ، والخدمة في حالة الطوارئ ، كما تعتبر المصدر الأساسي لإدراك المواطن العادي للأحداث القومية والعالمية ، كما توفر أيضاً كماً هائل من البرامج الترفيهية لمساعدة الجمهور على الاسترخاء والهروب من مشاكل الحياة اليومية().
ومن أجل الحصول على المعلومات تتفاعل وسائل الإعلام مع النظم الأخرى كالنظام الاقتصادي ، السياسي ، والديني حيث تنشأ علاقة متبادلة بين وسائل الإعلام وهذه الأنظمة()، ومن هنا وضع " ديفلير وركتيش" نموذج لتوضيح العلاقة بين وسائل الإعلام والقوي الاجتماعية الأخرى، وهو ما عرف بنظرية الاعتماد().
ويمكن تلخيص الفكرة الأساسية لنظرية الاعتماد على النحو التالي " أن قدرة وسائل الاتصال على تحقيق قدر أكبر من التأثير المعرفي والعاطفي والسلوكي ، سوف يزداد عندما تقوم هذه الوسائل بوظائف نقل المعلومات بشكل متميز مكثف، وهذا الاحتمال سوف تزيد قوته في حالة تواجد عدم استقرار بنائي في المجتمع بسبب الصراع والتغيير. بالإضافة إلى ذلك فإن فكرة تغيير سلوك ومعارف ووجدان الجمهور يمكن أن تصبح تأثيراً مرتداً لتغيير كل من المجتمع ووسائل الاتصال ، وهذا هو معني العلاقة الثلاثية بين وسائل الاتصال والجمهور والمجتمع().
ويمكن النظر إلى نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام بأنها().
نظرية ذات منشأ سيسيولوجي وظيفي.
نظرية بيئية تنظر إلى المجتمع باعتباره تركيباً عضوياً ، فهي تبحث في كيفية ارتباط أجزاء من النظم الاجتماعية صغيرة وكبيرة ببعضها ، ثم تحاول تفسير سلوك الأجزاء فما يتعلق بتلك العلاقات.
نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام نموذج طارئ Contingency من حيث كون أي تأثير محتمل من جراء ذلك الاعتماد يعتمد بشكل ما على الظروف المصاحبة لموقف محدد.
النظرية جزء من نظرية الاعتماد المتبادل بين وسائل الإعلام والنظم الاجتماعية.
نشأة وتطور نظرية الاعتماد:
اهتم بعض الباحثين في العشرينات بدراسة تأثير وسائل الإعلام على المستوي المعرفي Cognitive Level، وأكد بعضهم أن اختلاف المستوي المعرفي للأفراد يرجع أساساً إلى التفاعل بين متغيرات مرتبطة بطبيعة وسائل الإعلام بالإضافة إلى سمات الجمهور وخصائصه المختلفة.() كما أوضح الكثير من الخبراء في الغرب العلاقة بين وسائل الإعلام والنظم الاجتماعية ومؤسساتها في المجتمع على أساس من الاعتماد المتبادل().
ومن ثم كانت البدايات الأولى لنظرية الاعتماد على وسائل الأعلام على يد الباحثة ساندرا بول روكيتش وزملائها عام 1974 عندما قدموا ورقة بحثيه بعنوان " منظور المعلومات " وطالبوا فيها بضرورة الانتقال من مفهوم الاقناع لوسائل الإعلام إلى وجهة النظر التي ترى قوة وسائل الإعلام كنظام معلوماتي يستمد من اعتمادات الآخرين على المصادر النادرة للمعلومات التي تسيطر عليها وسائل الإعلام أي أن هناك علاقة اعتماد بين وسائل الإعلام والأنظمة الإعلامية الأخرى().
من هذا المنطلق تركز نظرية الاعتماد على أن العلاقات بين وسائل الإعلام والجمهور والنظام الاجتماعي تتسم بخصائص اجتماعية من الاعتماد المتبادل الذي تفرضه سمات المجتمع الحديث ، حيث يعتمد أفراد الجمهور على وسائل الإعلام كنظام فرعي لإدراك وفهم نظام فرعي آخر هو المحيط الاجتماعي من حولهم، وبذلك تمثل وسائل الإعلام مصادر رئيسية يعتمد عليها أفراد الجمهور في استقاء المعلومات عن الأحداث الجارية، وتتزايد درجة الاعتماد بتعرض المجتمع لحالات من عدم الاستقرار والتحول والصراع الذي يدفع أفراد الجمهور لاستقاء المزيد من المعلومات من وسائل الإعلام لفهم الواقع الاجتماعي من حولهم().
وطور نموذج الاعتماد في صور متعددة منذ ظهور أول مرة على النحو التالي:
أ ــ النموذج الأول لنظرية الاعتماد (1976):
قدم ميلفن ديفلير وساندرا بول روكيتش نموذج الاعتماد الأول عام 1976، حيث عرض النموذج العلاقة بين العناصر الثلاث لمكونات النظرية ( الإعلام ـ المجتمع ـ الجمهور ) بشكل متداخل  وتختلف هذه العلاقة من مجتمع إلى آخر ، وطبيعة وسائل الإعلام، وتنوع واختلاف حاجات الجمهور ، بالإضافة إلى التأثيرات المعرفية والوجدانية والسلوكية التي يحدثها اعتماد أفراد الجمهور على وسائل الإعلام().
ويفسر الشكل التالي طبيعة العلاقة القائمة بين العناصر الثلاثة:











شكل رقم (4)
العلاقة المتبادلة بين المجتمع ووسائل الإعلام والجمهور

يفسر النموذج السابق طبيعة العلاقة المتبادلة بين وسائل الإعلام والنظام الاجتماعي والجمهور كالتالي:()
1 - وسائل الإعلام :
يختلف تطور وسائل الإعلام من مجتمع إلى آخر من حيث درجة تطورها ، وكلما كانت وسائل الإعلام لديها القدرة على إشباع احتياجات الجمهور ، وكانت أكثر مركزية وتنوع وأهمية للمجتمع ، ومن ثم يزداد اعتماد المجتمع عليها .
2- النظام الاجتماعي :
    تختلف طبيعة كل مجتمع عن الآخر ، من حيث درجة الاستقرار أو القدرة على مواجهة الأزمات الطارئة ، أو تبعاً لحالة انهياره نتيجة الأزمات الاقتصادية أو ثورات أو حروب فكلما زادت حالة عدم الاستقرار في المجتمع ، زادت حاجة الأفراد إلى المعلومات وبالتالي الاعتماد على وسائل الإعلام ، أي الجمهور ويصبح أكثر اعتماداً على وسائل الإعلام الموجودة في المجتمع في فترات التغيير وعدم الاستقرار.
وبالتالي فإن الاعتماد المتبادل بين وسائل الإعلام والنظم الاجتماعية يتعدد بتعدد هذه النظم كالأسرة والدين والمؤسسة التعليمية والاقتصادية والعسكرية ، وأهمها النظم السياسية للإعلام في الجوانب التالية:().
غرس وتدعيم القيم السياسية والمعايير المتنوعة ( حرية ، فاعلية ، تصويت ، ...).
 حفظ النظام والطاعة للدولة.
 تعبئة المواطنين وتدعيم الشعور بالمواطنة.
 التحكم والفوز بالصراع داخل الدولة كصراع الأنظمة ومعاركها وانتصار الحقوق التشريعية والتنفيذية .
أما علاقة النظام الإعلامي بالسياسة فتنشأ لأن الأهداف الإعلامية تنال مكاسب عدة من مصادر النظام السياسي مثل :
حماية للسلطة القضائية وتسهيل نيل الحقوق الإعلامية.
حماية السلطة التشريعية.
الحصول على الشرعية.
3- الجمهور:
يختلف الجمهور في درجه الاعتماد على وسائل الإعلام ، فمثلا جمهور الصفوة يتمتع بمصادر معلومات متنوعة بصورة أكثر من الجمهور العام الذي يعتمد على وسائل الإعلام باعتبارها أحد مصادره الأساسية.
ويختلف الجمهور المصري في درجة اعتماده على وسائل الإعلام نتيجة الاختلاف في الأهداف والمصالح والحاجات الفردية.()
فالأفراد يعتمدون على وسائل الإعلام باعتبارها مصدراً من مصادر تحقيق أهدافهم ، فالفرد يهدف إلى تأييد حقه في المعرفة لاتخاذ القرارات الشخصية والاجتماعية المختلفة ، ويحتاج إلى التسلية والترفيه كهدف أيضاً في نفس الوقت إلا أن الأفراد لا يستطيعون ضبط أو تحديد نوع الرسائل التي تبثها وسائل الإعلام أكثر مما هي عليه ، ولكنهم يستطيعون تحديد ما لم ينشر من رسائل ، لأن وسائل الإعلام تحدد ما ينشر أو لا ينشر بناء على العلاقة الدائرية مع أفراد المتلقين مثلها مثل النظم الاجتماعية ، ويظهر بالتالي تأثير الخصائص والسمات الفردية والاجتماعية على تطوير هذه العلاقة الدائرية مع وسائل الإعلام().
ويعتمد الأفراد على وسائل الإعلام لتحقيق الأهداف التالية:-()
1ـ     الفهم: مثل معرفة الذات من خلال التعلم والحصول على الخبرات ، الفهم الاجتماعي من خلال معرفة أشياء عن العالم أو الجماعة المحلية وتفسيرها.
2ـ    التوجيه : ويشتمل على توجيه العمل مثل : أن تقرر ماذا تشتري؟ وكيف ترتدي ثيابك ؟ وكيف تحتفظ برشاقتك؟ وتوجيه تفاعلي مثل: الحصول عل دلالات عن كيفية التعامل مع مواقف جديدة أو صعبة.
3ـ    التسلية: وتشتمل على التسلية المنعزلة مثل: الراحة والاسترخاء والاستثارة والتسلية الاجتماعية مثل : الذهاب إلى السينما أو الاستماع إلى الموسيقي مع الأصدقاء ، أو مشاهدة التليفزيون مع الأسرة.
ومع ذلك ، فإنه ينبغي ألا نبالغ في أهمية وسائل الإعلام الجماهيري، فهي تجعل بالفعل تحقيق الفهم والتوجيه وأهداف التسلية أكثر سهولة، ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة لبلوغ هذه الأهداف ، فالأفراد يتصلون في نهاية الأمر بشبكات داخلية من الأصدقاء والأسرة ، وكذلك بنظم تربوية ودينية وسياسية وغيرها  ، تساعد الناس أيضاً على بلوغ أهدافهم، ونظرية الاعتماد على وسائل الإعلام لا تشارك فكرة المجتمع الجماهيري في أن وسائل الإعلام قوية لأن الأفراد منعزلون بدون روابط جماعية ، والأصح أنها تتصور أن قوة وسائل الأعلام تكمن في السيطرة على مصادر معلومات معينة تلزم الأفراد لبلوغ أهدافهم الشخصية، وذلك علاوة على أنه كلما زاد المجتمع تعقيداً ، زاد اتساع مجال الأهداف الشخصية التي تتطلب الوصول إلى مصادر معلومات وسائل الإعلام().
فالفرد في حاجة إلى فهم وإدراك الذات بما يساعده في الكشف عن قدراته ودعمها وتفسير معتقداته وسلوكه وإدراكه لجوانب الشخصية بشكل عام ، وكذلك الحاجة إلى فهم العالم الاجتماعي المحيط بالفرد ، والمعاني التي تقوم بتشكيلها وسائل الإعلام عن هذا العالم واستخدام هذه المعاني في إدراك الحقائق وتشكيل التوقعات.
ولذلك قام الباحثان ميلفن وروكيتش بتطوير هذا النموذج عام 1982، ليوضح كيفية اعتماد الأفراد على وسائل الإعلام من أجل تحقيق أهداف الأفراد الخاصة بالفهم والتوجيه والتسلية، وعرف باسم النموذج المتكامل لنظرية الاعتماد()().
ب- النموذج المتكامل لنظرية الاعتماد (1982):
يوضح النموذج المتكامل لنظرية الاعتماد التداخل الكبير بين العناصر الرئيسية للعملية الاتصالية (وسائل الإعلام ـ المجتمع ـ الجمهور ) ويقدم مجموعة معقدة من المتغيرات التي تؤدي إلى تأثير وسائل الإعلام التي تظهر نتيجة الاعتماد المتبادل بين وسائل الجمهور والنظم الاجتماعية الأخرى().





















شكل رقم (5)
النموذج المتكامل لنظرية الاعتماد على وسائل الإعلام
ويمكن تلخيص العلاقات التي يرمز لها النموذج على النحو التالي ():
أولاً:    ينشأ تدفق الأحداث من المجتمع الذي يضم مجموعة من النظم الاجتماعية التي يحكمها الوظيفة البنائية، وتحدث علاقات اعتماد متبادلة بين هذه النظم الاجتماعية ووسائل الإعلام ، ويتميز كل مجتمع بثقافة خاصة تعبر عن القيم والتقاليد والعادات وأنماط السلوك التي يتم نقلها عبر رموز لفظية وغير لفظية تحدث العمليات الدينامية لنشر الثقافة ، وتشتمل هذه الفعاليات على قوي تدعو إلى ثبات المجتمع والحفاظ على استقراره من خلال الإجماع والسيطرة ، والتكيف الاجتماعي ، وتوجد أيضاً في المجتمع قوي أخرى تدعو للصراع والتغيير ، وتتم هذه العمليات على مستوي البناء الكلي للمجتمع ، أو بين الجماعات ، أو المراكز الاجتماعية المرتبة بشكل تصاعدي ، ويتضمن هذا البناء عناصر رسمية وغير رسمية.
ثانيا:     تؤثر عناصر الثقافة والبناء الاجتماعي للمجتمع على وسائل الإعلام إيجاباً وسلباً ، وهي التي تحدد خصائص وسائل الإعلام التي تتضمن: الأهداف والموارد، والتنظيم، والبناء ، والعلاقات المتبادلة وتتحكم هذه الخصائص في وظائف تسليم المعلومات التي يتحكم فيها عدد الوسائل الإعلامية المتاحة، ودرجة مركزيتها، ويؤثر ذلك بالتالي على الأنشطة التي تمارسها وسائل الإعلام أو ما يطلق عليها تحديد السياسات.
كذلك تؤثر عناصر الثقافة وبناء المجتمع على الأفراد ، ويساهم ذلك في تشكيل الفروق الفردية والفئات الاجتماعية ، والعلاقات الاجتماعية ، ويعمل النظام الاجتماعي أيضاً على خلق حاجات للأفراد مثل الفهم والتوجيه والتسلية.
ويحدد الاعتماد المتبادل بين النظم الاجتماعية ونظم وسائل الإعلام كيفية تطوير الناس اعتمادهم على وسائل الإعلام لإشباع حاجتهم النفسية والاجتماعية ، مما يخلق التنوع في تأثيرات وسائل الإعلام على الأفراد.
ثالثا:     تقوم وسائل الإعلام بتغطية الأحداث التي تقع داخل النظم الاجتماعية المختلفة، ومن الأشخاص داخل هذه النظم ، وتنتقي وسائل الإعلام التركيز على بعض القضايا والموضوعات التي تشكل رسائل وسائل الإعلام المتاحة للجماهير.
رابعاً:    العنصر الرئيسي في هذا الإطار المتكامل هو الأفراد كأعضاء في الجمهور المتلقي لوسائل الإعلام ، هؤلاء الأفراد لديهم بناء متكامل للواقع الاجتماعي تم تشكيله عبر التنشئة الاجتماعية والتعليم والانتماء إلى جماعات ديموغرافية ، وعوامل التكيف الاجتماعي ، والخبرة المباشرة ، ويستخدم هؤلاء الأفراد وسائل الإعلام لاستكمال بناء الواقع الاجتماعي الذي لا يدركونه بالخبرة المباشرة ، وتتحكم علاقات الاعتماد المتبادل بين وسائل الإعلام والنظم الاجتماعية الأخرى في تشكيل رسائل المعلومات للجماهير.
خامساً:    حين يكون الواقع الاجتماعي محدداً ومفهوماً للأفراد ، ويلبي حاجاتهم وتطلعاتهم قبل وأثناء استقبال الرسائل الإعلامية ، لن يكون لرسائل الإعلام تأثير يذكر سوي تدعيم المعتقدات والقيم وأنماط السلوك الموجودة بالفعل.
وعلى النقيض ، حين لا يكون لدي الأفراد واقع اجتماعي حقيقي يسمح بالفهم والتوجيه والسلوك ، فإنهم يعتمدون على وسائل الإعلام بقدر أكبر لفهم الواقع الاجتماعي ، وبالتالي يكون لهذه الوسائل تأثير أكبر على المعرفة والاتجاهات والسلوك، لذلك يجب الأخذ في الاعتبار درجة اعتماد الأفراد على وسائل الأعلام للحصول على المعلومات كوسيلة للتنبؤ بآثار هذه الوسائل على الأفراد.
سادساً:    تتدفق المعلومات من وسائل الإعلام لكي تؤثر في الأفراد ، وفي بعض الحالات تتدفق المعلومات أيضاً من الأفراد لكي تؤثر في وسائل الإعلام ، وفي المجتمع ككل، ويتخذ ذلك بعض الأشكال … مثل الاعتراض الجماهيري الذي يزيد من مستوي الصراع في المجتمع، أو يؤدي إلى تكوين جماعات اجتماعية جديدة. مثل هذه الأحداث قد تؤدي إلى تغييرات في طبيعة العلاقات بين النظم الاجتماعية ، ونظم وسائل الإعلام، مثل تمرير قوانين جديدة يتم تصميمها لتغير سياسات تشغيل وسائل الإعلام.
لذلك فإن علاقات الاعتماد المتبادل بين وسائل الإعلام وأجزاء أخري من الكيان الاجتماعي ، يجب أن تمر بتغيير من أجل أن تبقي المجتمعات في بيئات متغيرة ، ويكون مثل هذا التغيير المتكيف بطيئاً في العادة ، وغالباً ما يكون غير مخطط ومن ثم فإنه من الصعب إدراكه في الوقت الذي يقع فيه().
واهتم الباحثان مليفن وروكيتش بتوضيح كيف تساعد علاقات الاعتماد في تفسير آثار التعرض لرسائل وسائل الإعلام الخاصة بمعتقدات وسلوك الفرد ، وهو اهتمام مركزي بالنسبة لأولئك الذين يستخدمون نهجاً إدراكياً لتفسير تأثيرات وسائل الاتصال الجماهيرية على جمهورها، فالأشخاص الذين اعتمدوا على التليفزيون لتحقيق تفاهم اجتماعي على سبيل المثال عليهم أن يختاروا أنواع مختلفة من البرامج التليفزيونية ، وذلك بخلاف أشخاص يعتمدون أساساً على التليفزيون من أجل التسلية ، وبالتالي فإن التأثير يختلف باختلاف الهدف ، وفي دراسة لبـول روكتيش وزملاؤها لمعرفة آثار التعرض لبرنامج تليفزيوني يستهدف التأثير على معتقدات سياسة وسلوكية ، قدمت الباحثة أدلة تؤيد هذه الطريقة من التفكير عن التعرض الانتقائي ، وأثار وسائل الإعلام ، حيث وجدوا أن الأشخاص يختارون بالفعل تعريض أنفسهم على أساس علاقات اعتمادهم الراسخ على التليفزيون ، وأن المشاهدين الذين لديهم أنواعاً معينة من علاقات الاعتماد  كانوا يتأثرون بشكل مختلف عن أولئك الذين ليست لديهم هذه الأنواع().
ومن هنا طور الباحثان ميلفن وروكتيش نظرية الاعتماد ، لتوضيح الآلية التي تعمل بها نظرية الاعتماد ، حيث قدم نموذجاً جديداً عام 1989 ، لتفسير العلاقة بين نظم وسائل الإعلام العام ، والنظام الاجتماعي ، الذي ينبع من نموذج الإدراك العقلي الذي يفترض وجود ربط منطقي بين مضمون الوسيلة ودوافع الانتباه ، وعرف باسم النموذج الإدراكي لنظرية الاعتماد().
جـ ــ النموذج الإدراكي لنظرية الاعتماد (1989)
يبدأ هذا النموذج بفرد يتفحص وسائل الإعلام بدقة ، ليقرر بفعالية ما يرغب في الاستماع إليه ، أو مشاهدته ، أو قراءته ، أو بشخص يتصل بشكل عرضي بمحتويات وسيلة إعلامية()، وهو ما يظهر في الشكل التالي:

الخطوة الأولى:






الخطوة الثانية:




الخطوة الثالثة:

الخطوة الرابعة:



شكل رقم (6)
عملية تأثير محتويات وسائل الإعلام على الأفراد
ويفسر النموذج الخطوات التالية :()
الخطوة الأولي:
إن الجمهور القائم بالاختيار النشيط الذي يستخدم وسائل الإعلام ، سيقوم بالتعرض إلى مضمون الوسائل من خلال توقع سبق بأنه سوف يساعدهم في تحقيق هدف أو أكثر من الفهم ، أن التوجيه ، أو التسلية بناء على :
تجربتهم السابقة.
محادثتهم مع آخرين (أصدقاء أو زملاء عمل).
إشارات يحصلون عليها من وسائل الإعلام (إعلانات أو مجلات أدبية).
أما الأفراد الذين يتعرضون مصادفة أو بطريقة غير مقصودة لمحتويات وسائل الإعلام مثل (دخول سوبر ماركت به تليفزيون مفتوح) فقد تستثار لدي هؤلاء الأفراد علاقة الاعتماد وتحفزهم على الاستمرار في التعرض ، أو ينهون تعرضهم للوسائل.
الخطوة الثانية:
كلما زادت شدة الحاجة أو قوة الاعتماد زادت الاستثارة المعرفية والوجدانية، وتتمثل هذه الاستثارة في جذب الانتباه إلى مضمون الرسالة أو الإعجاب أو عدم الإعجاب مثلاً، وتختلف قوة الاعتماد على الوسائل وفقاً لاختلاف:-
الأهداف الشخصية.
المستويات الاجتماعية للأفراد.
توقعات الأفراد فيما يتعلق بالفائدة المحتملة من محتويات وسائل الإعلام.
مدي سهولة الوصول إلى المضمون.
والمتغيرات في أهداف الأفراد كثيراً ما تعكس متغيرات في بيئاتهم ، وعندما تكون هذه البيئات حافلة بالغموض أو التهديد مثلاً، فإن اعتماد الأفراد على نظام وسائل الإعلام يجب أن تكون قوية تماماً ، إذ أن الوصول إلى مصادر معلومات وسائل الإعلام غالباً ما يكون ضرورياً لحل غموضها ، وتقليل تهديدها الحقيقي أو المحتمل، وهناك مثال آخر عن : كيف تؤثر المتغيرات في البيئات الشخصية والاجتماعية للأشخاص على قوة اهتمامات التبعية بمشكلات صحية خطيرة ، فالأشخاص الذين يكونون ، هم أنفسهم أو أحباؤهم مصابين بمرض خطير، كثيراً ما ينشئون علاقات اعتماد قوية بوسائل الإعلام ، من أجل التمكن من الوصول إلى معلومات مناسبة قد تسهم في عثورهم على أفضل خدمات طبية ومساعدة.
وأثناء اعتماد الأفراد على وسائل الإعلام يحدث نوعين من التأثير هما:-
الإثارة العاطفية : يقصد بها ميل الأفراد وحبهم للوسيلة والمضمون المقدم.
الإثارة الادراكية: ويقصد بها تعرض الأفراد للوسيلة الإعلامية مع ما يتفق باهتماماته وحاجاته وأهدافه.
ففي الدراسة التي أجرتها ساندرا بول روكيتش وزملائها ، ذكر المشاهدون الأكثر اعتماداً على التليفزيون أنهم كانوا منتبهين للغاية في مشاهدة البرنامج التليفزيوني ، وأحبوا البرنامج، وعندما يكون اعتماد الأشخاص على برنامج تليفزيوني ـ مثلا ـ منخفضاً أو منعدماً ، فإننا سوف نتوقع أن نجدهم يتحدثون أو يفعلون أشياء أخرى في أثناء تشغيل جهاز التليفزيون، وبالتالي لا يحتمل أن يكون شعورهم قوياً تجاه البرنامج أو سلباً.
الخطوة الثالثة:
وفيها تزداد درجة المشاركة النشطة في مدي استيعاب المعلومات وفقاً لوجود تأثيرات معرفية وعاطفية سابقة ، فالأشخاص الذين أثيروا إدراكياً وعاطفياً سوف يشتركون في نوع التنسيق الدقيق للمعلومات بعد التعرض ، مثل : الإقلاع عن التدخين، أو بدء التدريبات الرياضية  أو إجراء فحوص طبية.
الخطوة الرابعة:
    كلما زادت درجة المشاركة في تنسيق المعلومات ، زاد الاحتمال في حدوث التأثيرات المعرفية أو العاطفية أو السلوكية نتيجة الاعتماد على وسائل الإعلام في الحصول على المعلومات ، فالأفراد الذين يشتركون بشكل مكثف في تنسيق المعلومات أكثر احتمالاً بالتأثر بتعرضهم لمحتويات وسائل الإعلام.
الفروض الرئيسية لنظرية الاعتماد على وسائل الإعلام
    يتمثل الفرض الرئيسي لنظرية الاعتماد في قيام الفرد بالاعتماد على وسائل الإعلام لإشباع احتياجاته من خلال استخدام الوسيلة ، وكلما لعبت الوسيلة دوراً هاماً في حياة الأشخاص زاد تأثيرها وأصبح دورها أكثر أهمية ومركزية وبذلك تنشأ العلاقة بين شدة الاعتماد ودرجة تأثير الوسيلة لدي الأشخاص ، وكلما ازدادت المجتمعات تعقيداً ازداد اعتماد الأفراد على وسائل الإعلام().
    كما يقوم النموذج على عدة فروض فرعية أخري هي:()
تؤثر درجة استقرار النظام الاجتماعي على زيادة الاعتماد أو قلته على مصادر معلومات وسائل الإعلام ، وكلما زادت درجة عدم الاستقرار في المجتمع كلما زاد الاعتماد لدى الأفراد على وسائل الأعلام.
تزداد درجة الاعتماد على وسائل الإعلام في حالة قلة القنوات البديلة للمعلومات أما في حالة وجود مصادر معلومات بديلة تقدمها شبكات خاصة أو رسمية أو مصادر إعلامية خارج المجتمع سيقل اعتماد الجمهور على وسائل الإعلام.
يختلف الجمهور في درجة اعتماده على وسائل الإعلام نتيجة لوجود اختلاف في الأهداف الشخصية والمصالح والحاجات الفردية.
الآثار المترتبة على اعتماد الجمهور على وسائل الإعلام:
    يري بعض الباحثين أن التساؤل الأساسي لنظرية الاعتماد هو تفسير متي؟ ولماذا يعرض الأفراد أنفسهم لوسائل ؟ وتأثيرات هذا التعرض على معتقداتهم وسلوكهم ، وإجابة ذلك يعد تفسيراً للطرق التي يستخدم بها الجمهور وسائل الإعلام لتحقيق أهدافهم الشخصية()، حيث ينتج عن اعتماد الجمهور على وسائل الإعلام مجموعة من التأثيرات يمكن تصنيفها على النحو التالي():
أولاً: التأثيرات المعرفية:
    وتتضمن التأثيرات المعرفية لوسائل الإعلام عدة أثار هي:
1- الغموض:
ويحدث الغموض نتيجة لتناقض المعلومات التي يتعرض لها الأفراد ، أو نقص المعلومات أو عدم كفايتها لفهم معاني الأحداث أو تحديد التفسيرات الممكنة والصحيحة لهذه الأحداث، فالغموض يمكن أن يحدث لأن الناس يفتقرون إلى معلومات كافية لفهم معني حدث، أو يفتقرون إلى المعلومات التي تحدد التفسير الصحيح من بين تفسيرات عديدة تقدمها وسائل الإعلام ، وتشير البحوث السابقة إلى أن نسبة الغموض تزداد حين تقع أحداث غير متوقعة مثل : كارثة طبيعة أو اغتيال زعيم سياسي ، وحين تقدم وسائل الإعلام معلومات غير متكاملة أو معلومات متضاربة بشأن هذه الأحداث ، في هذه الحالة يتولد الإحساس بالغموض لدى أعضاء الجمهور ، وفي حالات عديدة تكون وسائل الإعلام هي المصدر الوحيد المتاح للحصول على المعلومات ، ويحدث الغموض حين تقع هذه المعلومات غير مكتملة أو يكتنفها الغموض أو التضارب.
2- تشكيل الاتجاه:
تلعب وسائل الإعلام دوراً هاماً في تشكيل اتجاهات الأفراد نحو القضايا الجدلية المثارة في المجتمع مثل مشكلات البيئة ، وأزمات الطاقة ، والفساد السياسي ، وتنظيم الأسرة وقادة الدين ، وتتشكل الاتجاهات الجديدة كلما اكتسب الأفراد المعلومات العامة من خلال وسائل الإعلام.
3- ترتيب الأولويات:
تقوم وسائل الأعلام بترتيب أولويات الجمهور تجاه القضايا البارزة دون غيرها ويقوم الجمهور بتصنيف اهتماماته نحو هذه القضايا ويركز على المعلومات التي يمكن توظيفها وفقاً لاختلافاته الفردية.
4- اتساع المعتقدات:
تساهم وسائل الإعلام في توسيع المعتقدات التي يدركها أفراد الجمهور ، لأنهم يتعلمون عن أناس وأماكن وأشياء عديدة من وسائل الإعلام، ويتم تنظيم هذه المعتقدات في فئات تنتمي إلى : الأسرة أو الدين أو السياسة بما يعكس الاهتمامات الرئيسية للأنشطة الاجتماعية.
5- القيم :
    القيم هي مجموعة المعتقدات التي يشترك فيها أفراد جماعة ما ويرغبون في ترويجها والحفاظ عليها مثل : الأمانة ـ الحرية ـ المساواة ـ التسامح ، وتقوم وسائل الإعلام بدور كبير في توضيح أهمية القيم.
ثانياً : التأثيرات العاطفية ( الوجدانية ) :
ويقصد بالتأثيرات العاطفية المشاعر والعواطف التي يكونها الإنسان تجاه ما يحيط به ، ويظهر هذا التأثير عندما تقدم معلومات معينة من خلال وسائل الإعلام ، تؤثر على مشاعر الأفراد واستجاباتهم بالتالي في الاتجاه الذي تستهدفه الرسائل الإعلامية ، ومن أمثلة هذه التأثيرات:
1- الفتور العاطفي:
ويرى الباحثون أن التعرض المكثف إلى موضوعات العنف في وسائل الإعلام يؤدي إلى الفتور العاطفي وعدم الرغبة في تقديم المساعدة للآخرين في أوقات العنف الحقيقي الذي يتصرف الفرد تجاهه كما لو كان عنفاً تلفزيونياً ، وتشير بعض الدراسات إلى أن الاستثارة الناتجة عن مشاهدة أعمال العنف في وسائل الإعلام ، تتناقص تدريجياً بمرور الوقت وتؤدي في النهاية إلى الفتور العاطفي.
كما يقرر كثير من الباحثين بأن التليفزيون يساعد على أن يصرف عن الفرد تذكر الأحداث السلبية ، ويقصد بها تلك الأحداث التي يعتبرها مسئولة مثلاً عن فشله أو تشير إلى ظلم الناس لغيرهم ، لأن تذكر هذه الأحداث تسبب له حالات مزاجية غير سارة().
2- الخوف والقلق:
إن التعرض المستمر للرسائل أو الدراما التليفزيونية لأعمال العنف والكوارث يؤدي إلى إثارة الخوف والقلق من الوقع ضحايا لأعمال العنف في الواقع.
ويري الباحث أن اعتماد الأفراد على وسائل الإعلام قدي يؤدي إلى إثارة الخوف والتوتر بسبب ما تقدمه هذه الوسائل من أخبار عن انتشار وباء أو مرض معدي مثل مرض سارس، إلا أنه قد يؤدي أيضاً إلى تقليل مشاعر الخوف والتوتر من انتشار هذا المرض في المنطقة الموجود بها من خلال المعلومات التي تقدمها وسائل الإعلام عن كيفية الوقاية من هذا المرض والقضاء عليه مستقبلاً.
3- الدعم المعنوي والاغتراب:
تؤثر وسائل الإعلام على معنويات الأفراد بالسلب أو الإيجاب ، فقد أكد " كلاب " أن المجتمعات التي تقوم وسائل الإعلام فيها بأدوار اتصال رئيسية ، ترفع الروح المعنوية لدي الأفراد نتيجة زيادة الشعور الجمعي والتوحيد والاندماج ، وخاصة إذا كانت وسائل الإعلام تعكس الفئات الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد ، ويلاحظ أن اغتراب الفرد يزداد حين لا يجد معلومات وسائل الإعلام معبرة عن نفسه وثقافته وانتماءاته العرقية والدينية والسياسية.
ثالثاً: التأثيرات السلوكية :
تعتبر التأثيرات السلوكية الأثر الذي يشغل اهتمام العديد من الناس ، فالتغيرات الخاصة بالاتجاه والمعتقدات والمشاعر مهما ، فالسلوك يحدث نتيجة لحدوث التأثيرات المعرفية والعاطفية.
ومن أهم التأثيرات السلوكية هي :
(1) التنشيط:
يعني قيام الفرد بعمل ما نتيجة التعرض للوسيلة الإعلامية ، وهو الناتج الأخير للتأثيرات المعرفية والعاطفية مثل اتخاذ مواقف سلوكية مؤيدة أو معارضة نتيجة التعرض المكثف لوسائل الإعلام ، وقد يتمثل التنشيط في اتخاذ مواقف مؤيدة للإقلاع عن التدخين أو التبرع المادي أو المعنوي لفئات معينة والتنشيط يكون مفيداً اجتماعياً في هذه الحالة ، ولكن التنشيط الناتج عن التعرض لسوائل الإعلام قد يكون ضاراً اجتماعياً مثل التورط في أعمال ضد المجتمع مثل العنف والجرائم والاضطرابات.
(2) الخمول :
يعني عدم النشاط وتجنب القيام بالفعل، مما يؤدي إلى اللامبالاة والسلبية والامتناع عن المشاركة في المجتمع ، ويحدث ذلك نتيجة التعرض لرسائل الإعلام المبالغ فيها، تدفع الفرد إلى عدم المشاركة نتيجة الملل مثل عدم القيام بالتصويت في الانتخابات.
علاقة نظرية الاعتماد وتأثيرها على بعض النظريات:
تعتبر نظرية الاعتماد من النظريات التي ترتبط ببعض نظريات الاتصال وتساعد على وجود علاقة ارتباطية بينهما وهي كالتالي:
1- نظرية ترتيب الأولويات:
تقوم نظرية الأولويات على ترتيب الأولويات الشخصية للأفراد تجاه بعض الموضوعات، وتساعد نظرية الاعتماد على تفسير هذه الأولويات، فالأفراد يعتمدون على وسائل الإعلام في اختيارهم للموضوعات التي تقدمها وسائل الإعلام ، بشكل يتوافق إلى حد كبير مع خصائصهم الشخصية ، والمشكلات التي يعانون منها بالإضافة إلى احتياجاتهم.
2- نظرية فجوة المعرفة :
تفترض نظرية فجوة المعرفة أن الجمهور ذوي المستوي الاجتماعي الاقتصادي المرتفع يميل إلى اكتساب المعلومات بمعدل أسرع من الجمهور الأقل في المستوي الاجتماعي الاقتصادي ومن هنا تنشأ الفجوة المعرفية في المعلومات.
وتساهم نظرية الاعتماد هنا في فهم هذه النظرية ، فالأفراد الأكثر اعتماداً على وسائل الإعلام يحصلون على معلومات أكثر من غيرهم تنشأ الفجوة المعرفية ، وتقل الفجوة المعرفية تجاه بعض القضايا التي يتساوى فيها اعتماد الجمهور على وسائل الإعلام().
3- مدخل الاستخدامات والاشباعات:
يفترض مدخل الاستخدامات والاشباعات أن الأفراد يحتاجوا إلى إشباع احتياجتهم من وسائل الإعلام ، كما يقوم الأفراد باستخدام المعلومات التي تنقلها وسائل الإعلام ، تختلف أهميتها وفقاً لاحتياجاتهم().
وعلى الرغم من أن مدخل الاستخدامات والإشباعات ونظرية الاعتماد يركز كل منهما على العلاقة بين الأفراد ووسائل الإعلام ، فكل منهما يركز على التساؤل الخاص: ماذا يفعل الناس بوسائل الإعلام؟().
والاستخدام لوسيلة إعلامية يعني معدل القراءة أو المشاهدة أو الاستماع لها ، أما الاعتماد فيعني درجة الاهتمام لهذه الوسيلة باعتبارها مصدراً هاماً للمعلومات ، ورغم وجود بعض التشابه بين مدخل الاستخدامات والاشباعات ونظرية الاعتماد إلا إنه توجد بعض الاختلافات بينهما هي كالتالي: ()
يركز مدخل الاستخدامات والاشباعات على تحديد الاحتياجات المختلفة والاشباعات الناتجة عن استخدام الأفراد لوسائل الإعلام ، بينما تركز نظرية الاعتماد على العلاقة بين الجمهور ووسائل الإعلام والمجتمع. ()
يهتم مدخل الاستخدامات والاشباعات بالإجابة على السؤال الأساسي وهو : أين يذهب الأفراد لإشباع احتياجاتهم ؟ في حين تركز نظرية الاعتماد على الإجابة على سؤال : لماذا يلجأ الأفراد إلى وسيلة معينة لإشباع احتياجاتهم؟
يركز مدخل الاستخدامات الاشباعات على المستوي الفردي فقط ، في حين تستخدم نظرية الاعتماد لقياس العلاقات الاعتمادية كل المستويات الفردية والاجتماعية.
يقدم مدخل الاستخدامات والاشباعات تصميماً معقداً من الناحية الإجرائية لقياس متغير استخدام الوسيلة ، بينما تقدم نظرية الاعتماد تصميماً سهلاً من الناحية الإجرائية لقياس متغير الاعتماد على وسائل الإعلام.
يؤكد مدخل الاستخدامات والإشباعات على أهمية فكرة الجمهور القوي والتي تؤكد ضرورة اختبارات الجمهور بينما تركز نظرية الاعتماد على قوة وسائل الإعلام التي يعتمد عليها الأفراد ، وتزداد الاعتماد أثناء الأزمات.
الانتقادات الموجهة لنظرية الاعتماد على وسائل الإعلام:
    تعرضت نظرية الاعتماد لمجموعة الانتقادات يمكن تلخيصها على النحو التالي :
يبالغ نموذج الاعتماد في تصوير حجم الاعتماد الفعلى للعناصر المختلفة وخاصة المتعلقة بوسائل الإعلام ، واستقلالها عن النظام الاجتماعي ، فوسائل الإعلام غالباً ما تكون محايدة ، حيث أنها مصدر غير سياسي ، تستطيع أن تجده عند الضرورة ، ويجب أن ترتبط وسائل الإعلام بشكل أساسي بالمؤسسات الأكثر هيمنة وسيطرة في المجتمع.().
على الرغم من أن الاعتماد الشديد على وسائل الإعلام قد يزيد من التأثيرات الإداركية والسلوكية على الفرد، فإنه للأسف ليست كل تأثيرات وسائل الإعلام الجماهيرية هي تأثيرات لمحتويات وسائل أو أنها تؤثر على الأفراد ، حيث أن الأفراد يتأثروا بالأصدقاء والمعارف وغيرهم().
رغم أنه كان يقصد بمدخل الاعتماد أساساً الاعتماد على مستوي النظام الاجتماعي ككل، لكن معظم الدراسات الإعلامية تعاملت مع مدخل الاعتماد على المستوي الفردي فقط، بمعني أنها ركزت على الآثار الناجمة عن اعتماد الأفراد على الوسائل المختلفة ، مع هذا لا تزال روكيتش تري أن المستقبل سيكون للتركيز على أهداف الجماعات من الاعتماد().
معظم الباحثين عرفوا الاعتماد إجرائياً بالتعرض، رغم انه ليس كل من يتعرض لوسيلة يعتمد عليها() ، فعلى سبيل المثال قد يتعرض الفرد لفترة طويلة في مشاهدة التليفزيون في حين يعتمد على وسيلة أخرى مثل الصحف في اكتسابه للمعلومات السياسية ، أو في موضوع ما.
المميزات الخاصة بنظرية الاعتماد على وسائل الإعلام:
تتمتع نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام بمجموعة من المزايا أهمها():
تعتبر نظرية الاعتماد نموذج مفتوح لمجموعة من التأثيرات المحتملة ، وتجنب النموذج عدم وجود تأثيرات لوسائل الإعلام ، ووجود تأثير غير محدود ، لذلك يطلق عليها نظرية شاملة، حيث تقدم نظرية كلية للعلاقة بين الاتصال والرأي العام ، وتتجنب الأسئلة البسيطة عما إذا كانت وسائل الاتصال لها تأثير كبير على المجتمع().
تهتم نظرية الاعتماد بالظروف التاريخية والبناء الاجتماعي أكثر من المتغيرات الشخصية والفردية ، لذلك فهي أكثر ملاءمة في التعامل مع النظام الاجتماعي بصورة أكبر من النماذج الأخرى المرتبطة بوسائل الإعلام.
تؤكد نظرية الاعتماد على أن تأثير وسائل الإعلام على الجمهور ، يؤدي إلى التأثير على النظام الإجتماعي وعلى نظام وسائل الإعلام نفسها ، وبالتالي فإن أداء وسائل الإعلام ، قد يؤدي إلى المطالبة بالتغيير أو إصلاح نظام وسائل الإعلام ، سواء من خلال النظام السياسي أو من خلال آلية السوق الحر أو من خلال ظهور وسائل إعلام بديلة.
الدراسات السابقة الخاصة بنظرية الاعتماد على وسائل الإعلام:
    يعرض الباحث فيما يلي لأهم الدراسات العربية والأجنبية التي اعتمدت في أطرها النظرية على قروض نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام.
1ــ دراسة هبة أمين شاهين : استخدامات الجمهور المصري للقنوات الفضائية العربية ـ دراسة تحليلية ميدانية (2001)().
استهدفت هذه الدراسة تحديد علاقة الجمهور المصري بالقنوات الفضائية المصرية من حيث دوافع تعرض الجمهور لهذه القنوات واهتماماته واستخداماته لمضامينها المختلفة ودرجة اعتماده عليها، وقد أجرت الباحثة دراسة تحليلية لمضمون ما تقدمه هذه القنوات ، ودراسة أخرى ميدانية من خلال منهج المسح بالعينة على عينة قوامها (400) مفردة في محافظة القاهرة الكبرى.
أهم النتائج:
توصلت نتائج الدراسـة إلى ارتفاع معدل مشاهدة المبحوثين للقنوات العربيـة بنسبـة (99.5%) سواء تم ذلك في صورة منظمة بنسبة(50.2%) ، أو بصورة غير منتظمة بنسبة (49.3%).
أشارت النتائج إلى وجود علاقة ارتباطيه بين معدل مشاهدة المبحوثين للقنوات الفضائية العربية والاعتماد على هذه القنوات كمصادر إخبارية في حالة الأزمات.
2 ــ  دراسة حنان يوسف : المعالجة الإخبارية للقضايا العربية في شبكتي CNN الأمريكية و Euro news الأوربية ـ دراسة مسحية مقارنة (2001)().
حاولت هذه الدراسة رصد تحليل المعالجة الإخبارية للقضايا العربية في شبكتي CNN و Euro News الأوربية وإثبات شبهة التحيز أو نفيها في أداء الشبكتين مع مقارنة حجم الإيجابية والسلبية فيما بين الشبكتين ، إلى جانب دراسة مدى اعتماد واتجاهات جمهور النخبة العربية نحو أداء الشبكتين في معالجة القضايا العربية ، وقد أجرت الباحثة دراستين الأولى تحليلية لمضمون عينة من المادة الأخبارية المقدمة في الشبكتين، أما الثانية فهي دراسة ميدانية على عينة قوامها (200) مفردة من النخبة العربية من خلال المسح الميداني.
أهم النتائج:
أكدت الدراسة أن حجم الاعتماد على هذه الخدمات كمصدر للأخبار غير منتظم أو دائم، وإنما يتوقف على متغيرات أخري أبرزها الأحداث الجارية ودوافع هذا الاعتماد، فدرجة الاعتماد تختلف وفقاً لغياب المصادر الأخرى للمعلومات والرغبة في فهم أبعاد حدث ما بعد الأحداث الطارئة.
أثبتت الدراسة زيادة الاعتماد على شبكتي CNN و Euro News في حالة الأزمات، وتفوقت شبكة Euro News الأوربية في معدل المشاهدة عن شبكة CNN الأمريكية.
3 ــ دراسة مها الطرابيشي : مدي اعتماد الجمهور على الصحف المصرية في معالجتها للأزمات الطارئة ـ دراسة حالة على حادث سقوط الطائرة المصرية (2001)()
هدفت هذه الدراسة اختبار العلاقة بين التعرض للصحف المصرية ودرجة الاعتماد عليها كمصدر للمعلومات عن حادث سقوط الطائرة المصرية كمتغير مستقل وربطها بمتغير النوع    (ذكور ، إناث) كمتغيرات وسيطة ، وأسباب اعتماد الجمهور المصري على الصحف المصرية والآثار الناتجة عنه، وأجريت الدراسة على عينة عشوائية قوامها (386) مفردة بمحافظة القاهرة وتم استخدام المسح الميداني على عينة الدراسة.
أهم النتائج:
أثبتت الدراسة زيادة اعتماد الجمهور المصري على وسائل الإعلام المصرية في الحصول على معلومات حادث سقوط الطائرة المصرية ، كما جاءت درجة الاعتماد على وسائل الإعلام المصرية بنسبة (66.7%) للذكور مقابل (63.6%) للإناث.
أشارت نتائج الدراسة إلى وجود فروق إحصائية بين النوع وبين نوعية الاعتماد على وسائل الإعلام المصرية والأجنبية على المعلومات الخاصة بحادث سقوط الطائرة المصرية.
4 ــ دراسة جمال عبد العظيم : دور الصحف المصرية في المشاركة السياسية لدي قادة الرأي ـ دراسة ميدانية بالتطبيق على انتخابات مجلس الشعب عام 2000 ـ في إطار نموذج الاعتماد على وسائل الإعلام (2001)().
حاولت هذه الدراسة التعرف على حرص قادة الرأي على المشاركة في الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب وتحديد دوافع المشاركة ومعوقاتها ، كما سعت الدراسة أيضاً التعرف على اعتماد قادة الرأي على وسائل الأعلام عامة ، والصحافة خاصة كمصدر لمعلوماتهم السياسية بشأن الانتخابات، وأجريت هذه الدراسة على عينة قوامها (260) مفردة من قادة الرأي في محافظتي الدقهلية والجيزة واستخدم الباحث المنهج المسحي لتطبيق الدراسة.
أهم النتائج:
كشفت نتائج الدراسة أن قادة الرأي اعتمدوا على وسائل الإعلام في الحصول على معلوماتهم السياسية بنسبة (37.3%) ، كما شارك (19%) من مفردات العينة في الاتصال بوسائل الإعلام.
أشارت نتائج الدراسة وجود علاقة ارتباط إيجابية بين الاعتماد على وسائل الإعلام وبين المعرفة الخاصة بعدد أعضاء مجلس الشعب وعدد الدوائر الانتخابية.
5 ــ دراسة جيهان يسري : مصادر معلومات الجمهور المصري عن أحداث انتفاضة الأقصى (2001)().
استهدفت هذه الدراسة التعرف على المصادر التي يعتمد عليها الجمهور في مصر للحصول على معلومات عن الأحداث العربية في الأوقات العادية بصفة عامة ، وفي أوقات الأزمات بصفة خاصة تطبيقاً على أحداث انتفاضة الأقصى من خلال اختبار فروض نظرية الاعتماد على وسائل الأعلام ، وقد أجريت الدراسة على عينة عشوائية قوامها (200) مفردة من البالغين من سن 18 سنة فأكثر في القاهرة واستخدمت الباحثة منهج المسح وفي إطاره تم استخدام المسح الميداني على عينة من الجمهور المصري.
أهم النتائج:
أثبتت الدراسة وجود علاقة بين ثقة للمبحوثين في وسائل الإعلام الصرية وبين اعتمادهم عليها كمصادر أساسية للمعلومات عن أحداث الأقصى.
أظهرت النتائج إلى أن المصادر التي اعتمد عليها الجمهور المصري لمتابعة أحداث الانتفاضة بالترتيب : التليفزيون ، الصحافة ، الإذاعة المصرية ، الاتصال الشخصي ، الفضائيات العربية ، الإذاعات العربية ، الفضائيات الأجنبية ثم الإنترنت.
6 ــ دراسة إيناس أبو يوسف : الصورة الذهنية للانتفاضة الفلسطينية لدي النشء ــ دراسة ميدانية على عينة من تلاميذ المرحلة الإعدادية بمحافظة الجيزة (2001)().
هدفت هذه الدراسة اختبار مكونات الصورة الذهنية التي تشكلت لدي النشء المصري (طلاب المرحلة الإعدادية) عن الانتفاضة الفلسطينية ، كما سعت الدراسة أيضاً إلى إبراز دور وسائل الإعلام وتظهره من صور إعلامية خاصة بالانتفاضة وخلق نوع من المشاركة لدى النشء تجاه هذه الأحداث ـ وأجريت الدراسة على عينة عشوائية قوامها (200) مفردة من تلاميذ المرحلة الإعدادية من خلال استمارة الاستبيان.
أهم النتائج:
كشفت نتائج الدراسة أن جميع أفراد العينة لديهم وعي بأحداث انتفاضة الأقصى وأن 49% من المبحوثين قد سمعوا عن أحداث الانتفاضة.
أثبتت نتائج الدراسة بأن التليفزيون أحتل المركز الأول في الاعتماد عليه لمتابعة أحداث الانتفاضة، ثم جاء بعده في الترتيب الاتصال الشخصي (الأسر، الأصدقاء، زملاء الدراسة) وأخيراً الصحف.
7 ــ دراسة السيد بهنسي: مدي اعتماد الجمهور على وسائل الإعلام المصرية أثناء الأزمات ـ دراسة ميدانية على طلاب الجامعات (2000)().
حاولت الدراسة التعرف على أبعاد علاقات اعتماد طلاب الجامعات على وسائل الإعلام المصرية أثناء الأزمات وترتيب أهميتها لدى الجمهور ، وأسباب اعتماده عليها ، ومعرفة التأثيرات المختلفة المترتبة على اعتماد الجمهور على هذه الوسائل ، وقد اختار الباحث عينة طبقية من (400) مفردة من طلاب الجامعات ، واستخدام منهج المسح.
أهم النتائج:
توصلت نتائج الدراسة إلى أن التليفزيون المصري كان المصدر الأول الذي يعتمد عليه الجمهور المصري أثناء الأزمات ثم تلته الصحف المصرية والإذاعات المصرية على الترتيب.
أشارت النتائج إلى وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين وسائل الإعلام المصرية الثلاث فيما يتعلق بأسباب اعتماد الجمهور عليها أثناء الأزمات.
8 ــ  دراسة عربي المصري : الأخبار السلبية في التليفزيون وعلاقاتها بمستوي القلق السياسي للشباب اللبناني (2000)().
    استهدفت الدراسة التعرف على العلاقة بين تعرض الشباب اللبناني للأخبار السلبية في التليفزيون ومستوى قلق الشباب السياسي وفق الأبعاد المختلفة لهذا القلق ، وأجريت الدراسة على عينة عشوائية قوامها (400) مفردة من الشباب اللبناني تراوحت أعمارهم بين (18-30) سنة ، كما قام الباحث بإجراء دراسة تحليلية لمضمون الأخبار في المحطات التليفزيونية اللبنانية.
أهم النتائج:
أثبتت الدراسة تفوق الاستخدام العام للتليفزيون وأخباره على الاستخدام المركز ، مع زيادة مستوي الاعتماد عليه مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى.
أثبتت الدراسة أيضاً اختلاف مستوي القلق النفسي للشباب اللبناني باختلاف أسلوب استخدام التليفزيون ونوع الوسيلة المعتمد عليها.
9 ــ دراسة سها فاضل: التأثيرات المعرفية لدرجات ومستويات اعتماد جمهور القرية على وسائل الإعلام كمصدر للمعلومات (1999)().
استهدفت هذه الدراسة التعرف على درجة اعتماد الجمهور بالريف المصري على وسائل الإعلام في الحصول على المعلومات حول القضايا والأحداث المختلفة ومدي التأثير المعرفي الذي يترتب على هذا الاعتماد ، واستخدمت الباحثة منهجين، منهج المسح عن طريق العينة والمنهج الآخر المنهج المقارن كمدخل للمقارنة بين درجات ومستويات اعتماد الجمهور بالقرية المصرية على وسائل الإعلام في الحصول على المعلومات حول القضايا المختلفة ، وتم اختيار عينة عشوائية منتظمة قوامها (400) مقررة بقرية النكارية بمحافظة الشرقية.
أهم النتائج:
أوضحت الدراسة أن قنوات التليفزيون من أهم مصادر ترويج المعلومات بين سكان القرية المصرية على الإطلاق ، ويرجع ذلك للانتشار السريع للتليفزيون بالقرية المصرية.
اتضح من الدراسة أيضاً أن التليفزيون المصري أكثر وسائل الاتصال جذباً لجمهور القرية المصرية، مقارنة بالقنوات الأخرى سواء العربية أو الأجنبية المفتوحة والمشفرة، وتلقي البرامج الرياضية والإخبارية والأفلام العربية أهمية خاصة لدي جمهور القرية.
10 ــ  دراسة ليلي حسين: دور وسائل الاتصال في إمداد طلاب الجامعات المصرية بالمعلومات عن الأحداث الجارية في إطار نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام (1998)().
هدفت هذه الدراسة إلى معرفة دور وسائل الاتصال في إمداد عينة من شباب الجامعات المصرية بالمعلومات عن الأحداث الجارية في إطار نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام ، واستخدمت الدراسة منهج المسح لعينة من 300 مفردة من طلاب جامعات حلوان والأزهر والسادس من أكتوبر ، وتم استخدام استمارة الاستقصاء في الدراسة.
أهم النتائج:
أشارت النتائج إلى وجود علاقة ارتباط موجبة بين كل من نوع المبحوث، وحيازة أجهزة الاتصال، ونوع الجامعة ، وبين الحرص على متابعة الأحداث الجارية ونوع الأحداث التي يتم متابعتها.
أشارت النتائج أيضاً إلى أن متابعة الأحداث الجارية تحقق آثاراً معرفية ووجدانية وسلوكية إيجابياً أكثر من الآثار السلبية.

11 ــ دراسة سوزان القليني: مدي اعتماد الصفوة المصرية على التليفزيون في وقت الأزمات، دراسة حادث الأقصر (1998)().
استهدفت الدراسة التعرف على مدي اعتماد الصفوة المصرية على التليفزيون المصري خاصة وقت الأزمات ذات الطابع (المحلي ـ الدولي) وإلى أي مدي استطاع التليفزيون المصري من خلال تغطيته لحادث الأقصر جذب أفراد الصفوة المصرية إليه ، وأجريت الدراسة على عينة قوامها (125) مفردة تمثل الصفوة السياسية والإعلامية ، وتم استخدام أسلوب المسح الميداني على العينة.
أهم النتائج:
أثبتت النتائج وجود علاقة ارتباطية قوية بين الصفوة الإعلامية بشقيها الأكاديمي والممارس والاعتماد على التليفزيون الوطني خلال حادث الأقصر في حين اختلف الوضع تماماً مع الصفوة السياسية التي أظهرت اعتماداً منخفضاً على التليفزيون الوطني خلال الحادث.
أظهرت النتائج أيضاً وجود علاقة ارتباطية قوية طردية بين اعتماد الصفوة على التليفزيون خلال حادث الأقصر وعمق التغطية الإعلامية للحادث وشمولها.
12ــ دراسة أمل جابر : دور الصحف والتليفزيون في إمداد الجمهور المصري بالمعلومات عن الأحداث الخارجية في إطار نظرية فجوة المعرفة (1996)().
استهدفت الدراسة التعرف على دور الصحف والتليفزيون في إمداد الجمهور المصري عن الأحداث الخارجية من خلال اختبار مستوي معرفة الجمهور لبعض الأحداث مثل العدوان الإسرائيلي على لبنان، ومرض جنون البقر ، وأجرت الباحثة الدراسة على عينة قوامها (400) مفردة من البالغين في محافظة القاهرة من خلال صحيفة الاستبيان.
أهم النتائج:
أشارت نتائج الدراسة إلى أنه كلما ارتفع المستوي الاجتماعي الاقتصادي ، ارتفع معدل الاعتماد عل الصحف وقنوات التليفزيون الدولية.
توصلت النتائج إلى أن نوع الوسيلة التي يعتمد عليها الأفراد للحصول على المعلومات يعتبر متغيراً أساسياً يؤثر في مستوي المعلومات المتعمقة التي يحصل عليها الأفراد.
13 ــ دراسة وليام لوجيس : عصافيرالكناريا في منجم الفحم ، وإدراك الأزمات وعلاقاتها بالاعتماد على وسائل الإعلام (1994)().
    تشير الدراسة إلى أن العلاقة بين الجمهور ووسائل الإعلام ، خاصة الجمهور الذي يشعر بالخطر أو التهديد ، فهي علاقة تتشابه مع فكرة العلاقة بين عصفور الكناري وصاحب منجم الفحم ، فكلما اعتقد صاحب المنجم أن البيئة قد تسمم، فكلما أعتقد في أهمية مساعدة عصفور الكناريا له.
    وتم عمل استقصاء ميداني في مدينتين في وقت واحد على عينتين عشوائيتين الأولى قوامها (922) مبحوث في المدينة الأولى ، والثانية (899) مبحوث في المدينة الثانية.
أهم النتائج:
توصلت الدراسة إلى وجود علاقة ارتباطية بين الشعور بالخطر أو التهديد والاعتماد المتزايد على وسائل الإعلام وبشكل مكثف.
فشلت الدراسة في إثبات فرضية أن الاعتماد المتزايد على وسائل الإعلام سوف يزيد كلما زاد الشعور بالخطر.
14 ــ دراسة عزة عبد العظيم : الاعتماد على التليفزيون ومدي معرفة البالغين المصريين بأضرار تعاطي المخدرات (1993)().
سعت الدراسة التعرف على طبيعة العلاقة بين درجة اعتماد الشباب المصري على التليفزيون ومدي معرفتهم حول مشكلة المخدرات ، وبلغ حجم عينة الدراسة (400) مفردة من البالغين من سكان القاهرة تراوحت أعمارهم ما بين (20 – 79) عام.
أهم النتائج:
توصلت نتائج الدراسة إلى عدم وجود علاقة ارتباطية بين الاعتماد على التليفزيون في استقاء المعلومات حول قضية الإدمان ومستوي المعرفة حول هذه القضية.
توصلت النتائج أيضاً أنه كلما ارتفع المستوي التعليمي للمبحوثين، ارتفع المستوي المعرفي وقلت درجة الاعتماد على التليفزيون في الحصول على معلومات حول الإدمان.
15 ــ دراسة "أوجست جرانت" و " كندال جوثري" و " ساندرابول روكتيش" : التسوق عبر التليفزيون في إطار نظرية الاعتماد على وسائل الأعلام (1991)().
    استهدفت الدراسة تحليل ظاهرة التسويق عبر التليفزيون في إطار شروط نظرية الاعتماد وعلى وسائل الإعلام ، وأجريت دراسة استطلاعية على عينة قوامها (987) مفردة من المواطنين الذين يشترون السلع عبر التليفزيون، وقد تم تطبيق الدراسة على نفس العدد الخاص بالعينة النهائية.
أهم النتائج:
أوضحت الدراسة أن الاعتماد على نوع معين من البرامج يلعب دوراً رئيسياً في شروط وجود علاقة.
أشارت الدراسة أن التسوق من خلال التليفزيون يمثل تغيراً أساسياً وجوهرياً في العلاقة الخاصة باعتماد الجمهور على وسائل الإعلام.
16 ــ دراسة " هيوج كالبرتسن" و " جيود وستميل " : كيف يؤثر استخدام وسائل الإعلام والاعتماد عليها على مستوي المعرفة (1986)().
    سعت هذه الدراسة إلى تحديد مدي تأثير وسائل الإعلام ودرجة الاعتماد عليها في معرفة الجمهور بالشئون العامة ، وقد أجريت الدراسة على عينة قوامها (450) مفردة من سكان ولاية أوهايو بأمريكا ، وتم أجراء الاستقصاء العشوائي من خلال التليفون.
أهم النتائج:
توصلت نتائج الدراسة إلى وجود علاقة ارتباطية بين الاستخدام المكثف للتليفزيون ومستوى المعرفة للأفراد تجاه المعلومات الأخبارية.
أسفرت النتائج إلى وجود علاقة ارتباطية بين اعتماد الجمهور على الصحف والاستخدام العام وارتفاع المستوي المعرفي للأفراد وتجاه المعلومات الأخبارية.
17 ــ دراسـة رونالد ثيبر وآخرون : قضاء الوقت مع الإعلام الأخباري والعلاقة بين الاعتماد والاستخدام (1985)().
استهدفت هذه الدراسة معرفة اعتماد الجمهور على وسائل الإعلام في الأخبار المحلية والعالمية وأجريت الدراسة على عينة قوامها (580) من النساء العاملات بولايتي وسيكانس Wisconsin وإلنيوي Illinois بالولايات المتحدة الأمريكية ، للتعرف على نوع الوسيلة اللائي يعتمدن عليها في الحصول على الأخبار السياسية.
أهم النتائج:
احتل التليفزيون المركز الأول في الاعتماد عليـه للحصول على الأخبار الوطنية بنسبة (53.4%) تلته الصحف بنسبة (25.2%) ثم الراديو بنسبة (7.4%) ، في حين احتلت الصحف المركز الأول بالنسبة للأخبار المحلية.
اتفقت أغلب المبحوثات على قضائهن حوالي 3ساعات في قراءة الصحف أسبوعياً ، وحوالي 3 ساعات في مشاهدة التليفزيون أسبوعياً ، في حين بلغ معدل التعرض للراديو أقل من ساعة أسبوعياً .
18 ــ دراسة ميو : اختبار فروض فجوة المعرفة والاعتماد على وسائل الإعلام الأمريكية وتأثيرها على الحملة الانتخابية (1983)().
    أجري الباحث دراسة على الجمهور الأمريكي كجزء من الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 1980 ، تم جمع البيانات من خلال الاستقصاء على عينة عشوائية من الشعب الأمريكي من خلال التليفزيون في الفترة من يناير حتي مارس 1980 ، وقام الباحث تكرار هذا الاستقصاء في أكتوبر عام 1980 قبل الانتخابات مباشرة ، ثم أعيد الاستقصاء مرة أخرى في ديسمبر 1981 حتى يناير 1982.
أهم النتائج:
أشارت النتائج إلى ارتفاع تذكر الأفراد المعتمدين على الصحف للمعلومات السياسية
عن غيرهم من الأفراد المعتمدين على التليفزيون.
توصلت النتائج أيضاً إلى ارتفاع الفجوة المعرفية بين قراءة الصحف ومشاهدة التليفزيون في الفترة الأولى للدعاية ، وانخفضت الفجوة المعرفية مع تكثيف الحملة الانتخابية في التليفزيون.

تكنولوجية وسائل الأعلام وتأثيرها على المجتمعات

تكنولوجية وسائل الأعلام وتأثيرها على المجتمعات ((نظرية مارشال ماكلوهان))

تُعَد النظرية التكنولوجية لوسائل الإعلام، من النظريات الحديثة التي ظهرت عن دور وسائل الأعلام وطبيعة تأثيرها على مختلف المجتمعات، ومبتكر هذه النظرية(مارشال ماكلوهان) كان يعمل أستاذاً للغة الإنجليزية بجامعة تورنتو بكندا، ويعتبر من أشهر المثقفين في النصف الثاني من القرن العشرين.(1)
وبشكل عام، يمكن القول أن هناك أسلوبان أو طريقتان للنظر إلى وسائل الأعلام من حيث:
1-أنها وسائل لنشر المعلومات والترفيه والتعليم.
2-أو أنها جزء من سلسلة التطور التكنولوجي.
إذا نظرنا أليها على أنها وسيلة لنشر المعلومات والترفيه والتعليم، فنحن نهتم أكثر بمضمونها وطريقة استخدامها، والهدف من ذلك الاستخدام. وإذا نظرنا إليها كجزء من العملية التكنولوجية التي بدأت تغير وجه المجتمع كله، شأنها في ذلك شأن التطورات الفنية الأخرى، فنحن حينئذ نهتم بتأثيرها، بصرف النظر عن مضمونها.
يقول مارشال ماكلوهان أن (مضمون ) وسائل الأعلام لا يمكن النظر إليه مستقلاً عن تكنولوجية الوسائل الإعلامية نفسها.فالكيفية التي تعرض بها المؤسسات الإعلامية الموضوعات، والجمهور الذي توجه له رسالتها، يؤثران على ما تقوله تلك الوسائل، ولكن طبيعة وسائل الإعلام التي يتصل بها الإنسان تشكل المجتمعات أكثر مما يشكلها مضمون الاتصال، فحينما ينظر ماكلوهان إلى التاريخ يأخذ موقفا نستطيع أن نسميه (بالحتمية التكنولوجية) Technoligical Determinism فبينما كان كارل ماركس يؤمن بالحتمية الاقتصادية، وبأن التنظيم الاقتصادي للمجتمع يشكل جانباً أساسياً من جوانب حياته، وبينما كان فرويد يؤمن بان الجنس يلعب دوراً أساسياً في حياة الفرد والمجتمع، يؤمن ماكلوهان بأن الاختراعات التكنولوجية المهمة هي التي تؤثر تأثيراً أساسياً على المجتمعات.

ولهذا نجد ماكلوهان شديد الإعجاب بعمل المؤرخين أمثال الدكتور وايت White Jr صاحب كتاب (التكنولوجيا الوسيطة والتغير الاجتماعي)، الذي ظهر سنة 1962 وفيه يذكر المؤلف أن الاختراعات الثلاثة التي خلقت العصور الوسيطة هي الحلقة التي يضع فيها راكب الحصان قدمه Stirrup وحدوة الحصان Nailed Horseshoe، والسرج Horse Collar.. فبواسطة الحلقة التي يضع فيها راكب الحصان قدمه استطاع الجندي أن يلبس درعاً يركب به الحصان الحربي ؛ وبواسطة الحدوة والأربطة التي تربط الحصان بالعربة Harness توافرت وسيلة أكثر فاعلية لحرث الأرض، مما جعل النظام الإقطاعي الزراعي يظهر، وهذا النظام هو الذي دفع التكاليف التي تطلبها درع الجندي.
وقد تابع ماكلوهان هذه الفكرة بشكل أكثر تعمقاً ليعرف أهميتها التكنولوجية، مما جعله يطور فكرة محددة عن الصلة بين وجود الاتصال الحديث في المجتمع والتغيرات الاجتماعية التي تحدث في ذلك المجتمع، ويقول ماكلوهان أن التحول الأساسي في الاتصال التكنولوجي يجعل التحولات الكبرى تبدأ، ليس فقط في التنظيم الاجتماعي، ولكن أيضا في الحساسيات الإنسانية.والنظام الاجتماعي في رأيه يحدده المضمون الذي تحمله هذه الوسائل.وبدون فهم الأسلوب الذي تعمل بمقتضاه وسائل الأعلام لا نستطيع أن نفهم التغيرات الاجتماعية والثقافية التي تطرأ على المجتمعات.فاختراع اللغة المنطوقة هو الذي ميّز بين الإنسان والحيوان، ومكّن البشر من إقامة المجتمعات والنظم الاجتماعية وجعل التطور الاجتماعي ممكنا، وبدون اختراع الكتابة ما كان التحضر ممكناً، بالرغم من أن اختراع الكتابة ليس الشرط المسبق الوحيد للحضارة، فالإنسان يجب أن يأكل قبل أن يستطيع الكتابة إلا أنه بفضل الكتابة، تم خلق شكل جديد للحياة الاجتماعية وأصبح الإنسان على وعي بالوقت، وأصبح التنظيم الاجتماعي يمتد إلى الخلف، (أي إلى الماضي)، وإلى الأمام، (أي إلى المستقبل)، بطريقة لا يمكن أن توجد في مجتمع شفهي صرف. فالحروف الهجائية هي تكنولوجيا يستوعبها الطفل الصغير بشكل لا شعوري تماما،(بالاستيعاب التدريجي)، والكلمات ومعانيها تُعد الطفل لكي يفكر ويعمل بطرق معينة بشكل آلي، فالحروف الهجائية وتكنولوجية المطبوع طورت وشجعت عملية التجزئة وعملية التخصص والابتعاد بين البشر، بينما عملت تكنولوجية الكهرباء على تقوية وتشجيع الاشتراك والتوحيد.
ويقول ماكلوهان أن وسائل الأعلام التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها ستحدد طبيعة المجتمع، وكيف يعالج مشاكله، وأي وسيلة جديدة أو امتداد للإنسان، تشكل ظروفاً جديدة محيطة تسيطر على ما يفعله الأفراد الذين يعيشون في ظل الظروف، وتؤثر على الطريقة التي يفكرون ويعملون وفقاً لها أي أن (الوسيلة امتداد للإنسان، فالملابس والمساكن امتداد لجهازنا العصبي المركزي، وكاميرا التليفزيون تمد أعيننا والميكروفون يمد آذاننا، والآلات الحاسبة توفر بعض أوجه النشاط التي كانت في الماضي تحدث في عقل الإنسان فقط، فهي مساوية لامتداد الوعي).وسائل الأعلام الجديدة – كامتداد لحواسنا – كما توفر زمنا وإمكانيات تشكل أيضا تهديدا في الوقت نفسه، لأنه في الوقت الذي تمتد فيه يد الإنسان، وما يمكن أن يصل إليه بحواسه في وجوده، تستطيع تلك الوسائل أيضا أن تجعل يد المجتمع تصل إليه لكي تستغله وتسيطر عليه، ولكي نمنع احتمال التهديد يؤكد ماكلوهان أهمية إحاطة الناس بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن وسائل الأعلام لأنه ((بمعرفة كيف تشكل التكنولوجيا البيئة المحيطة بنا، نستطيع أن نسيطر عليها ونتغلب تماما على نفوذها أو قدرتها الحتمية)).
وفي الواقع، بدلا من الحديث عن الحتمية التكنولوجية، قد يكون من الأدق أن نقول أن المتلقي يجب أن يشعر بأنه مخلوق له كيان مستقل، قادر على التغلب على هذه الحتمية التي تنشأ نتيجة لتجاهل الناس لما يحدث حولهم، وأنه لا يجب اعتبار التغير التكنولوجي حتمياً أو لا مفر منه، ذلك لأننا إذا فهمنا عناصر التغير يمكننا أن نسيطر عليه ونستخدمه في أي وقت نريده بدلاً من الوقوف في وجهه.
ويعرض ماكلوهان أربع مراحل تعكس في رأيه تطور التاريخ الإنساني:
1-المرحلة الشفوية كلية، مرحلة ما قبل التعلم، أي المرحلة القبلية.
Totally Oral , Preliterate, Tribalism
2- مرحلة كتابة النسخ Codification by Script
التي ظهرت بعد هومر في اليونان القديمة واستمرت ألفي عام
3-عصر الطباعة: من سنة 1500 إلى سنة 1900 تقريبا
4-عصر وسائل الأعلام الإلكترونية: من سنة 1900 تقريبا،حتى الوقت الحالي.
وطبيعة وسائل الإعلام المستخدمة في كل مرحلة تساعد على تشكيل المجتمع أكثر مما يساعد مضمون تلك الوسائل على هذا التشكيل.هذا الأسلوب في دراسة التطور الإنساني، ليس أسلوبا جديدا أو مبتكرا تماما.فيشير ماكلوهان إلى أنه مدين لمؤلفات عديدة برأيه هذا، ومن بين المؤلفات التي ساعدت ماكلوهان على تطوير نظريته المبتكرة:
E.H. Gombrich , Art and IIIusion (1960)
H.A. Annis , The Bias of Communication (1951)
Siegfried Giedion , Mechaniztion Takes Command (1948)
H.J. Chaytor , From Scipt to Print (1945) ; ard Lewis Mumford.
Techniques and Civilization (1934)
وباختصار يدعي ماكلوهان أن التغير الأساسي في التطور الحضاري منذ أن تعلم الإنسان أن يتصل، كأن من الاتصال (الشفهي ) إلى الاتصال (السطري) ثم إلى الاتصال (الشفهي ) مرة أخرى.ولكن بينما استغرق التغير من الشفهي إلى السطري قروناً، تم الرجوع أو التحول مرة أخرى إلى الشفهي في حياة الفرد الواحد.
الاتصال الشفهي:
وفقا لما يقول ماكلوهان، فإن الناس يتكيفون مع الظروف المحيطة عن طريق توازن الحواس الخمس(السمع والبصر واللمس والشم والتذوق) مع بعضها البعض، وكل اختراع تكنولوجي جديد يعمل على تغيير التوازن بين الحواس، فقبل اختراع جوتنبرج للحروف المتحركة في القرن الخامس عشر كان التوازن القلبي القديم يسيطر على حواس الناس، حيث كانت حاسة السمع هي المسيطرة.
فالإنسان في عصر ما قبل التعلم كان يعيش في عالم به أشياء كثيرة في الوقت نفسه، في عالم الأذن حيث يفرض الواقع نفسه على الفرد من جميع النواحي، ولم يكن لهذا الزمن حدود ولا اتجاه ولا أفق، وعاش الإنسان في ظلام عقله في عالم العاطفة معتمداً على الإلهام البدائي أو الخوف، وكان الزمن والمسافة يتم إدراكهما سمعيا، وكان الشعر الذي يغنى من أكبر أدوات التحضر، وكان الاتصال الشفهي هو الرابطة مع الماضي، وكانت المعاني ذات المستويات المتعددة هي الطابع العام، وهي معاني كانت قريبة جداً من الواقع، فالكلمات لا تشير إلى أشياء، بل هي أشياء، وكلمة الإنسان ملزمة، وذاكرة الإنسان قوية جداً (بالمستويات الحديثة) والصور الذهنية التي تصاحب أفكاره سمعية، فهو يستخدم كل حواسه، ولكن في حدود الصوت، ونظراً لأن الناس في ظل هذا النظام كانوا يحصلون على معلوماتهم أساساً عن طريق الاستماع إليها من أناس آخرين، فقد أقترب الناس من بعضهم البعض، في شكل قبلي، وقد فرض عليهم أسلوب حصولهم على المعلومات أن يؤمنوا بما يقوله الآخرون لهم بشكل عام، لأن تلك هي المعلومات الوحيدة المتوافرة لهم، ((فالاستماع كان يعني الإيمان )).
وقد أثر أسلوب الاتصال على الناس وجعلهم عاطفيين أكثر، وذلك لأن الكلمة المنطوقة عاطفية أكثر من الكلمة المكتوبة، فهي تحمل عاطفة بالإضافة إلى المعنى، وكانت طريقة تنغيم الكلمات تنقل الغضب أو الموافقة أو الرعب أو السرور أو التهكم، الخ. وكان رد فعل الرجل القبلي - الذي يعتمد على حاسة الاستماع - على المعلومات يتسم بقدر أكبر من العاطفة، فكان من السهل مضايقته بالإشاعات، كما أن عواطفه كانت تكمن دائماً قريبة من السطح، لكن ريشة الكتابة وضعت نهاية للكلام وساعدت في تطوير الهندسة وبناء المدن، وجعلت الطرق البرية والجيوش والبيروقراطية من الأمور الممكنة، وكانت الكتابة هي الأداة أو الوسيلة الأساسية التي جعلت دورة الحضارة تبدأ، فكانت خطوة إلى الأمام من الظلام إلى نور العقل.فاليد التي قامت بملء صفحات جلد الماعز بالكتابة هي نفسها التي قامت ببناء المدن. وتعلم الإنسان رسم ما يقوله (الحديث) ولغة العيون كما تعلم كيف يلون الفكر ويجعل له بناء أو كيان.فالحروف الهجائية جعلت عالم الأذن السحري يستسلم لعالم العين المحايد.
الاتصال السطري (المطبوع ) :
باختصار، يمكننا أن نقول أن مجتمعات ما قبل التعلم كانت تحتفظ بالمضمون الثقافي في ذاكرة أجيال متعاقبة، ولكن تغيّر أسلوب تخزين المعرفة حينما أصبحت المعلومات تختزن عن طريق الحروف الهجائية، وبهذا حلّت العين محل الأذن كوسيلة الحس الأساسية، التي يكتسب بفضلها الفرد معلوماته، وسهّل الكلام البشري الذي (تجمّد زمنياً) الآن بفضل الحروف الهجائية،إقامة إدارات بيروقراطية قوية،واتجاهات قبلية.
ولمدة تزيد عن ثلاثة آلاف سنة تشكل التاريخ الغربي بظهور الحروف الهجائية الصوتية، وهي وسيلة تعتمد على العين فقط لفهمها، والحروف الهجائية تقوم على بناء الأجزاء أو القطع المجزأة، ليس لها في حد ذاتها معنى دلالي، والتي يجب أن توضع مع بعضها في أسطر، وفي ترتيب معين ليصبح لها معنى، وقد روجت وشجعت استخدام تلك الحروف عادة إدراك كل الظروف المحيطة على أساس المساحة والزمن، على أساس توحيد مستمر (م.س.ت.م.ر) و مرتبط (م.ر.ت.ب.ط).فالسطر مجال مستمر.
يقول ماكلوهان أن تطور الصحافة المطبوعة في القرن الخامس عشر بفضل اختراع جوتنبرج للحروف المتحركة، كان أكثر الابتكارات التكنولوجية تأثيراً على الإنسان، فالمطبوع جعل الإنسان يتخلص من القبيلة، فمن خلال الحروف الهجائية تمكن من ضغط الواقع وتقديمه من خلال مرشح الحروف الهجائية، وأصبح الواقع يأتي إلينا قطرة قطرة في الوقت الواحد، فالواقع يأتي مجزئاً، ويأتي بتسلسل فهو مجزأ على طول خط مستقيم، وهو تحليلي، وهو مختصر ويقتصر على حاسة واحدة، وعلى وجهة نظر موحدة، ويمكن تكرارها.
كما يقول ماكلوهان:العين لا تستطيع أن تختار ما تراه، ولا تستطيع أن ترجو الأذن أن تتوقف عن الاستماع، فأجسامنا أينما وجدت تشعر، سواء بإرادتنا أو الرغم منا، وكأن على الفرد لكي يشرح رد فعله البسيط على طلوع الفجر مثلاً، الذي قد يستغرق خمس ثوان، أن يضعه في كلمات وفي جملة بعد جملة، لكي يستطيع أن يقول لشخص آخر ما الذي يعنيه طلوع الفجر بالنسبة له، وقد أكمل اختراع جوتنبرج ثورة الحروف الهجائية، فأسرعت الكتب بعملية فك الشيفرة التي نسميها قراءة، وتعددت النسخ المتطابقة، وساعد المطبوع على نشر الفردية لأنه شجع – كوسيلة أو أداة شخصية للتعليم – المبادرة والاعتماد على الذات، ولكن عزل المطبوع البشر فأصبحوا يدرسون وحدهم، ويكتبون وحدهم، وأصبحت لهم وجهات نظر شخصية، عبّروا بها عن أنفسهم للجمهور الجديد الذي خلقه المطبوع، وأصبح التعليم الموحد ممكناً.
وبفضل الصحافة المطبوعة حدث تغير جذري، فبدأ الأفراد يعتمدون في الحصول على معلوماتهم أساساً على الرؤية، أي على الكلمة المطبوعة، لذلك أصبحت حاسة الأبصار هي الحاسة المسيطرة، بدلا من الاعتماد على الاستماع، أي على الكلمة المنطوقة. وحوّل المطبوع الأصوات إلى رموز مجردة، إلى حروف، وأصبح المطبوع يعتبر تقدماً منتظماً للتجريد، وللرموز البصرية، وساعد المطبوع على تطوير عادة عمل فئات، أي وضع كل شيء بنظام في فئات (المهن) و(الأسعار) و(المكاتب ) و(التخصصات )).وأدى المطبوع في النهاية إلى خلق الاقتصاد الحديث، والبيروقراطية، والجيش الحديث والقومية نفسها.
ويقول ماكلوهان في كتابة (عالم جوتنبرج The Gutenberg Galaxy) الذي صدر في سنة 1962 أن اختراع الطباعة بالحروف المتحركة ساعد على تشكيل ثقافة أوروبا الغربية، في الفترة ما بين سنة 1500 وسنة 1900م، فقد شجع الإنتاج الجماهيري للمواد المطبوعة على انتشار القومية، لأنه سمح بانتشار المعلومات بشكل أكبر وأسرع عما تسمح به الوسائل المكتوبة باليد، كذلك أثرت الأشكال السطرية Linear Forms للمطبوع على الموسيقى وجعلتها تتخلى عن التكوين القائم على التكرار، وقد ساعد المطبوع أيضاً على إعادة تشكيل حساسية الرجل الغربي، فينما اعتبر الرجل الغربي الخبرة كقطاعات فردية، وكمجوعة من المكونات المنفصلة، كان الإنسان في عصر النهضة ينظر إلى الحياة - كما ينظر إلى المطبوع - كشيء مستمر.
كذلك جعل المطبوع انتشار البروتستانتية ممكناً، لأن الكتاب المطبوع بتمكينه الناس من التفكير وحدهم، شجع الكشف الفردي.
وفي النهاية، يقول ماكلوهان أن ((جميع الأشكال الميكانيكية برزت من الحروف المتحركة، فالحروف نموذج لكل الآلات ))،هذه الثورة التي حدثت بفضل المطبوع فصلت (القلب عن العقل) و (العلم عن الفنون ) مما أدى إلى سيطرة التكنولوجيا والمنطق السطري.
العودة إلى الاتصال الشفهي :
يسمي ماكلوهان المرحلة التي نعشيها حاليا عصر (الدوائر الإلكترونية) ، كما تتمثل بشكل خاص في التليفزيون والكومبيوتر، فالإلكترونيات، بتوسيعها وتقليدها لعمل العقل البشري، وضعت نهاية لأسلوب تجريد الواقع، وأعادت القبلية للفرد مرة أخرى، مما أحدث نتائج ثقافية واسعة النطاق.
يقول ماكلوهان أن الأنماط الكهربائية للاتصال، مثل التلغراف والراديو والتليفزيون والسينما والتليفون والعقول الإلكترونية، تشكل هي الأخرى الحضارة في القرن العشرين وما بعده، وبينما شاهد إنسان عصر النهضة الطباعة، وهي شيء واحد، في الوقت الواحد، في تسلسل متوال، مثل سطر من الحروف، فإن الإنسان الحديث يجرب قوى كثيرة للاتصال، في نفس الوقت، وأصبحت عادة قراءة الكتاب، تختلف عن الطريقة التي ننظر بها إلى الجريدة، ففي حالة الجريدة لا نبدأ بقصة واحدة نقرؤها كلها ثم نبدأ قصة أخرى، ولكن تنتقل أعيننا في الصفحات لتستوعب مجموعة غير مستمرة من العناوين والعناوين الفرعية، والفقرات التي تقدم الموضوعات، والصور، الإعلانات.ويقول ماكلوهان" أن الناس لا يقرؤون الجريدة فعلا، بل يدخلونها كل صباح مثلما يأخذون حماما ساخناً"، والمساهمة أو الاشتراك كلمة أساسية في هذه الحالة، لأنه يجعل الجريدة من المطبوعات التي تستخدم كوسيلة (شفهية) وليست سطرية، فالصفحة الأولى في الجريدة تعرضك في نفس الوقت للأخبار عن كل الموضوعات في كل أنحاء العالم، والقصص في الجريدة الحديثة مطبوعة، ولكن قد تم استقاءها بواسطة التلغراف، والقارئ، كما يقول ماكلوهان، لا يعرف سوى القليل جداً عن الجريدة بذكاء أو بحاسة نقدية، فهذا ليس الهدف من وجودها، فالجريدة موجودة للإحساس بالاشتراك، بالمساهمة في شيء، يستخدمها الفرد بشكل كلي يقفز فيها كأنها حمام سباحة، ويقول ماكلوهان أنه حينما يزيد اشتراك الفرد في شيء.يقل فهمة له، ولكنه يعني ((الفهم )) وفقا لوجهة النظر السطرية القديمة، أن يكون الإنسان مبتعدا أو منطقياً.
وفقا لماكلوهان فإن العالم الذي كنا نعيش فيه قبل عصر الكهرباء كان عالماً مجرداً ومتخصصاً ومجزأً جداً، فبينما عملت الحروف الهجائية وتكنولوجيا المطبوع على تشجيع وتطوير عملية التجزئة والتخصص والابتعاد، نجد أن تكنولوجية الكهرباء تقوي وتشيع التوحيد والاشتراك، حتى فكرة الوظائف، هي نتيجة لتكنولوجية المطبوع، وتحيزاته، فلم تكن هناك (وظائف) في العصور القديمة والعصور الوسطى، بل كانت هناك فقط أدوار.الوظائف جاءت مع المطبوع والتنظيم البشري المتخصص جداً، فهي نمط حديث إلى حد ما للعمل، ظهر في القرن الخامس عشر، واستمر حتى اليوم، ويرجع السبب في وجود الوظائف إلى أنه كأن هناك تقدم مطرد لتجزئة مراحل العمل التي تقوم على (الميكنة ) و (التخصص). وسائل الأعلام الإلكترونية بدأت تغييراً كبيراً في توزيع الإدراك الحسي،أو كما يسميها ماكلوهان (نسب استخدام الحواس) Sensory Ratios اللوحة أو المكتبة نشاهدها من خلال حاسة واحدة وهي الرؤية.أما السينما والتلفزيون فتجذبنا ليس بواسطة المشاهدة، لكن أيضاً بالاستماع. وتعدل وسائل الأعلام الظروف المحيطة بنا لأنها تجعل نسب استخدام حواسنا تتغير في عملية الإدراك، امتداد أي حاسة يعدل الطريقة التي نفكر ونعمل بمقتضاها، كما يعدل امتداد تلك الحواس الطريقة التي ندرك بها العالم. حينما تتغير تلك النسب يتغير الإنسان، وسائل الأعلام الجديدة تحيط بنا وتتطلب منا مساهمة، ويرى ماكلوهان أن استخدام الحواس بهذا الوجود الجديد الذي يعتمد على استغلال الفرد لحواس كثيرة يرجع بنا إلى تأكيد الرجل البدائي على اللمس التي يعتبرها أداة الحس الأولى ( لأنها تتكون من تلاقي الحواس ).
ومن الناحية السياسية، يرى ماكلوهان أن سائل الإعلام الجديدة تحول العالم إلى (قرية عالمية Global Village ) تتصل في إطارها جميع أنحاء العالم ببعضها مباشرة، كذلك تقوّي تلك الوسائل الجديدة العودة (للقبلية) في الحياة الإنسانية، فعالمنا أصبح عالماً من نوع جديد، توقف فيه الزمن واختفت فيه (المساحة) لهذا بدأنا مرة أخرى في بناء شعور بدائي ومشاعر قبلية، كانت قد فصلتنا عنها قرون قليلة من التعليم.علينا الآن أن ننقل تأكيد انتباهنا من الفعل إلى رد الفعل، ويجب أن نعرف الآن مسبقا نتائج أي سياسة أو أي عمل، حيث أن النتائج تحدث أو يتم تجربتها بدون تأخير، وبسبب سرعة الكهرباء لم نعد نستطيع أن ننتظر ونرى، ولم تعد الوسائل البصرية المجردة في عالم الاتصال الكهربائي السريع صالحة لفهم العالم، فهي بطيئة جداً مما يقلل من فاعليتها، ولسوء الحظ نواجه هذا الظرف الجديد بعقلية قديمة، فالمعروف أن الكهرباء تجعل الأفراد يشتركون في المعلومات بسرعة كبيرة جداً، فقد أجبرنا عالمنا من خلال الوسائل الكهربائية على أن نبتعد عن عادة تصنيف المعلومات، وجعلنا نعتمد أكثر على أدراك النمط أو الشكل الكلي. لم يعد في الإمكان أن نبني شيئا في تسلسل، لأن الاتصال الفوري يجعل كل العوامل الموجودة في الظروف المحيطة تتفاعل، كما يجعل التجربة تتواجد في حالة تفاعل نشط.
وبينما عمل المطبوع على (تفجير) أو تحطيم أو تقسيم المجتمع إلى فئات، تعمل وسائل الأعلام الإلكترونية على إرجاع الناس مرة أخرى للوحدة القبلية، وتجعلهم يقتربون مرة أخرى من بعضهم البعض، فقد عادت حاسة الاستماع مرة أخرى إلى السيطرة، وأصبح الناس يحصلون على معلوماتهم أساساً بالاستماع إليها.
وهناك اختلاف كبير بالطبع، فالرجل الذي لا يستطيع أن يقرأ سيحصل على كل المعلومات عما حدث في الماضي، وما يحدث من الأمور التي لا يستطيع أن يراها،عن طريق السمع، سيجعل هذا عالمه أكثر انتشاراً وأكثر تنوعاً وتغيراً من الرجل المتعلم الذي يستخدم عيونه أكثر، في عملية القراءة، لأنه عن طريق الأذن لا يستطيع التركيز، ولكن يمكن للعين أن تركز في عملية القراءة، التي يمكن أن نعرفها بأنها استخدام العينين لتعلم الأشياء التي لا نستطيع أن نراها.
والاختلاف بين المجتمعات المتعلمة ومجتمعات ما قبل التعلم هائلة فالإنتاج على نطاق واسع لم يبدأ بالثورة الصناعية، ولكن بأول صفحة مطبوعة سحبها جوتنبرج من المطبعة، فقد أصبح في الإمكان للمرة الأولى، إنتاج المواد الإعلامية على نطاق واسع بحيث لا يستطيع الإنسان أن يفرق واحدة عن الأخرى وكان لكل الوحدات المنتجة، أي الطبعات، نفس القيمة،ك ن ذلك إنجازاً كبيراً بعد سنوات طويلة كان يتم فيها عمل شيء واحد، في الوقت الواحد، وكانت كل سلعة تختلف بعض الشيء عن السلعة الأخرى.
لكن الأهم من ذلك هو الظرف المحيط الذي فرضته وسيلة الأعلام المطبوعة: كلمة بعد أخرى، وجملة بعد أخرى، وفقرة بعد أخرى، وشيء واحد في الوقت الواحد، في خط منطقي متصل.وقد كأن تأثير هذا التفكير السطري عميقاً، وأثر على كل جانب من جوانب المجتمع المتعلم.
من ناحية أخرى، فإن المجتمع الذي يعتمد على حاسة الاستماع Ear-Oriented أكثر، لن يعمل أو يستجيب بهذا الأسلوب (شيء واحد في الوقت الواحد) ولكنه سيميل إلى استقبال خبرات كثيرة، في نفس الوقت، والتعبير عنها، وربما يفسر هذا مقدرة المراهقين على الاستماع إلى الراديو المرتفع الصوت والمذاكرة في نفس الوقت، .وربما يفسر هذا السر في اختلاف المراهقين حاليا عن المراهقين قبل ذلك، فهذا الجيل هو الجيل الأول أو الثاني لعصر الإلكترونيات، ويختلف أفراده عمن سبقوهم، لأن الوسيلة التي تسيطر على الظروف المحيطة بهم ليست المطبوع، أي الشيء الواحد في الوقت الواحد، وشيء بعد آخر، كما كان الوضع لمدة خمسمائة عام مضت، فبفضل التليفزيون الذي يقدم كل شيء مرة واحدة ويغطي كل شيء، أصبح الإنسان ينظر إلى الأمور بنظرة شمولية،أو كلية، ولهذا أصبح الطفل في المجتمع الحديث الذي يتدرب على معرفة الظروف المحيطة به منبه من التليفزيون، يتعلم بنفس الطريقة التي تعلم بها أي فرد من أعضاء مجتمع ما قبل التعلم ؛ أي من خبرة عينية وأذنية مباشرة، بدون حروف جوتنبرج كوسيط، يتعلم أولئك الأطفال أن يقرءوا أيضاً، ولكن يأتي هذا في المرتبة الثانية، وليس المرتبة الأولى، كما كان الحال بالنسبة للذين سبقوهم، والدراسات التي أجريت على الأطفال الذين نشأوا في عصر التليفزيون، أي الأطفال من كل الطبقات الاجتماعية الذين اعتادوا الحصول على معلوماتهم أساساً بواسطة التليفزيون، تبين أن الجيل الجديد لا يركز على الصورة كلها، كما يفعل الفرد المتعلم الناضج حينما يشاهد فيلم رعاة البقر مثلاً،بل يمرون بأعينهم بسرعة على الشاشة، ويركزون على جراب المسدس، رؤوس الجياد، القبعات، وكل التفاصيل الصغيرة الأخرى، وحتى في أشد معارك المسدسات يراقب الأطفال التليفزيون بالطريقة التي يراقب بها الأفريقي القبلي غير المتعلم السينما.

ويعتبر الجيل الذي نشأ في عصر التليفزيون من رجال القبائل الجدد، فعندهم توازن حسّي قبلي، وعندهم العادة القبلية للاستجابة العاطفية على الكلمة المنطوقة.
فهم (ساخنون) يريدون المساهمة، كما يريدون أن يلمسوا وأن يشتركوا أكثر، ومن ناحية أخرى يمكن للديماجوجية أن تؤثر عليهم بسهولة أكبر.الفرد الذي يستخدم أساسا حاسة الأبصار أو الذي يعتمد أساساً على المطبوع، هو إنسان فردى فهو (أبرد) ولديه ضمانات مبنية داخله،عنده شعور دائم بأنه بالرغم مما قد يقوله أي شخص، يستطيع أن يتأكد من الموضوع، فهو يحصل على المعلومات الضرورية بطريقة ما ويصنفها في فئات، ويستطيع أن يرجع إليها ويتيقن منها، وحتى إذا كأن ما يعرض عليه شيء لا يستطيع أن يتيقن منه مثل شائعة تقول أن (الصين ستلقي بقنابل ذرية على أمريكا ) –إلا أن ذهنه قد اعتاد الإحساس بأن في مقدوره التأكد والتيقن مما يسمعه. الفرد الذي يستخدم حاسة السمع أساسا، تكيفه ليس فرديا بهذا الشكل، ولكنه جزء من وعي جمعي Collective Consciousness فهو أكثر تصديقا من المتعلم الذي يعتمد على حاسة الإبصار أساساً، أي إنسان الطباعة والقراءة. وقد يبدو هذا وكأنه خاصية سلبية، ولكن بالنسبة للفرد الذي يعتمد على حاسة السمع، أي الرجل القبلي، أي جيل التليفزيون الجديد، فهو أكثر قدرة على أدراك النمط، وهو الأمر الذي يعتبر أساس العقل الإلكتروني. فالطفل يتعلم اللغة كلها بما في ذلك التنغيم والأوزان، علاوة على المعنى.أما الرجل المتعلم فإن الطريقة التي يحاول بها أن يحول الأصوات إلى مطبوع في عقله تؤخر تعلمه، فهو يأخذ الكلمات واحدة واحدة، ويضعها في فئات ويترجمها في تسلسل متعب، ويبذل في ذلك مجهوداً مضنياً.
وماكلوهان، مثل هارولد أنيس، يؤمن بأن التاريخ الحديث للمجتمعات الغربية ما هو إلا تاريخ (لاتصال متحيز)، واحتكار للمعرفة، يقوم على أساس المطبوع، ويعتبر المفكر أنيس أن الوسائل المطبوعة التي تقدم المضمون في شكل سطري مسئولة عن كثير من الاتجاهات غير المرغوبة التي ظهرت خلال الخمسة قرون السابقة. ويقصد ماكلوهان، حينما يصف الاتصال الذي وجد في الخمسة قرون السابقة بالتحيز، أنه اتصال سيطر عليه المطبوع، وتحكم فيه. يقول هارولد أنيس أن نمو وسائل الأعلام المطبوعة منذ القرن الخامس عشر قتل تقليد الاتصال الشفهي،وحل محل تنظيم المجتمع على أساس الزمن، وما هو موجود Temporal تنظيم آخر قام على المساحة أو الاتساع Spatial،مما جعل الفرد يركز على أوجه نشاطه الخاصة، وجعل القيم نسبية، وحول محور السلطة من الكنسية إلى الدول، وشجع القومية المتطرفة. لاشك أن وجهه النظر هذه مهمة وجديرة بالدراسة، ولكن هذه التطورات التي حدثت لا يمكن أن نعزوها فقط إلى تطور تكنولوجية المطبوع، فمما لا شك فيه أن الاختراعات التكنولوجية الأخرى،مثل وسائل المواصلات السريعة،ومصادر الطاقة الجديدة، والمعدات الآلية، والإلكترونيات، وإحياء التعلم، ونمو الديمقراطية، ونمو الطبقة المتوسطة، وتقسيم العمل، وإثارة مثاليات اجتماعية جديدة، لاشك أن هذه العوامل كان لها أيضا دور في التأثير. وإذا قلنا أن المطبوع كان له دور في كل تلك التطورات فإن هذه التطورات بدورها أثرت بشكل ما، على المطبوع، ولكن حلول مجتمع جديد محل المجتمع الشفهي أحدث تغييرات أساسية على نظرة الإنسان الكلية للظروف المحيطة به، وحوّل السلطة من أيدي أولئك الذين يستطيعون أن يتذكروا الماضي، ويحفظون الكتب السماوية، إلى أولئك الذين يعرفون الأماكن البعيدة والأساليب المختلفة لعمل الأشياء، وجعل في الإمكان تكوين جماعات اجتماعية كبيرة (وأحيانا حدوث تصادم بين تلك الجماعات) تحت قيادة مركزية.هذه التغيرات التي حدثت حينما بدأ المجتمع يعتمد على وسائل الأعلام يمكن أن نراها اليوم في العديد من الدول النامية.
تلك كانت بعض آراء هارولد أنيس التي قبلها ماكلوهان، ولكن تناول ما كلوهن لتلك الأفكار هو تناول سيكولوجي، وهو يعيد إلى الأذهان افتراضات الباحثين ساير وورف، بالرغم من أن ماكلوهان مهتم بالطريقة التي تؤثر بمقتضاها وسائل الأعلام، وهو غير مهتم بتأثير اللغات، وعلى نظرة الفرد للعالم، وعلى الطرق التي يفكر بمقتضاها، ففكرته الرئيسية تقوم على أن وسائل الأعلام لا تنقل فقط معلومات ولكنها تقول لنا ما هو نوع العالم الموجود، وهذا لا يجعل حواسنا تثار وتتمتع فقط، ولكنها تعدل نسبة استخدامنا للحواس، وتغير في الواقع شخصيتنا، ولم يكن ماكلوهان أول من قال أن (الأشياء التي نكتب عليها كلماتنا لها أهمية أكبر من الكلمات نفسها ) ولكن الطريقة التي قدم لنا بمقتضاها هذه الفكرة هي التي تقتبس باستمرار..فهو يقول ((الوسيلة هي الرسالة )) لأن طبيعة كل وسيلة إعلامية، وليس مضمونها، هو الأساس في تشكيل المجتمعات.
الوسيلة هي الرسالة:
يرفض ماكلوهان رأي نقاد وسائل الأعلام الذين يدعون أن وسائل الأعلام الجديدة ليست في حد ذاتها جيدة أو رديئة، لكن الطريقة التي تستخدم بها هذه الوسائل هي التي ستحد أو تزيد من فائدتها، يقترح ماكلوهان بدلاً من ذلك أنه علينا أن نفكر في طبيعة وشكل وسائل الأعلام الجديدة، فمضمون التليفزيون الضعيف ليس له علاقة بالتغيرات الحقيقية التي يسببها التليفزيون، كذلك قد يتضمن الكتاب مادة تافهة أو مادة كلاسيكية، ولكن ليس لهذا دخل بعملية قراءته. فالرسالة الأساسية في التليفزيون هي التليفزيون نفسه، العملية نفسها، كما أن الرسالة الأساسية في الكتاب هي المطبوع. فالرأي الذي يقول أن وسائل الأعلام أدوات يستطيع الإنسان أن يستخدمها في الخير أو الشر، رأي تافه عند ماكلوهان. فالتكنولوجيا الحديثة، مثل التليفزيون أصبحت ظرفاً جديداً محيطاً مضمونه ظرف أقدم.وهذا الظرف الجديد يعدل جذريا الأسلوب الذي يستخدم به الناس حواسهم الخمس، والطريقة التي يستجيبون بها إلى الأشياء. ولا يهم إذا عرض التليفزيون عشرين ساعة يوميا أفلام( رعاة البقر) التي تنطوي على عنف وقسوة، أو برامج ثقافية راقية، فالمضمون غير مهم، ولكن التأثير العميق للتليفزيون هو الطريقة التي يعدل بمقتضاها الناس الأساليب التي يستخدمون بها حواسهم Sensory Patterns ويعبر عن هذا بقوله المختصر المشهور (الوسيلة هي الرسالة-
The Medium is The Message ) ويعتبر هذا من أهم الإضافات التي قدمها مارشال ماكلوهان إلى ما قاله هارولد أنيس في كتابه (تحيز الاتصال) فقد حلل ماكلوهان الطريقة التي يفترض أن المطبوع يؤثر بمقتضاها، وقال أن المطبوع يفرض منطقاً معيناً على تنظيم التجربة البصرية، لأنه يحطم الواقع إلى وحدات منفصلة ومتصلة بشكل منطقي وسببي، يتم إدراكه بشكل سطري على الصفحة بعد تجريدها من طبيعة الحياة الكلية، غير المرتبة، وذات الأبعاد الحسية المتعددة. ويسبب هذا عدم توازن في علاقة بالظروف المحيطة به، لأن المطبوع يؤكد نوع من المعلومات يتم إدراكها بواسطة العين بدلاً من المعلومات التي يحصل عليها الفرد بواسطة الاتصال الشخصي، عن طريق كل الحواس، ولأن الكتابة والقراءة هما من أوجه النشاط الشخصية التي تتناول تجربة مجردة، فهما يفقدان الفرد لقبليته، ويأخذانه خارج الثقافة الشفهية الوثيقة العرى، ويضعانه في ظرف خاص أو شخصي، بعيداً عن الواقع الذي يتناوله اتصاله.
وبالطبع فإن تطور المطبوع يسبب تماثلاً بين أبناء البلد الواحد، ويقرب البعيد، وبهذا تحل المدينة محل القرية، وتحل دولة الأمة محل دولة المدينة.ويعني ماكلوهان أيضا بفكرة (الوسيلة هي الرسالة ) بالإضافة إلى هذا أن مضمون أي وسيلة هو دائما وسيلة أخرى، فالضوء الكهربائي مثلاً هو معلومات صرفه، فهو وسيلة بلا رسالة، إلا إذا استخدم لتقديم إعلان أو رسم، ولكن إذا نظرنا إلى الكتابة نجد أن مضمونها هو الكلام، والكلمة المكتوبة هي مضمون المطبوع، والمطبوع هو مضمون التلغراف، ومضمون الكلام هو عملية التفكير التي تعتبر غير لفظية، فمضمون الظروف الجديدة هو الظروف الأقدم.ونحن نحاول دائما أن نفرض الشكل القديم على المضمون الجديد، وحينما كان الإنتاج الآلي جديداً خلق – بالتدريج- ظروفا محيطة جديدة كان مضمونها الظروف القديمة للحياة الزراعية والفن والحرف..فالظرف الآلي الجديد الذي يحيط بالأفراد حول الطبيعة إلى شكل فني، وللمرة الأولي بدأ الإنسان يعتبر المطبعة مصدراً لقيم جميلة وروحية، وبدأ الناس في الإعجاب بالعصور السابقة، بينما لم يكن الأفراد الذين عاشوا في العصور التي سبقت عصر الإنتاج الآلي على وعي بعالم الطبيعة كفن، وكل تكنولوجيا جديدة تخلق ظروفا جديدة محيطة تعتبر هي نفسها فاسدة تحط بالشأن،ولكن الجديد يحول ما يسبقه دائما إلى شكل فني.
فحينما كانت الكتابة جديدة، حول أفلاطون الحوار الشفهي القديم إلى شكل فني، وحينما كانت الطباعة جديدة أصبحت العصور الوسطى شكلاً فنياً، وحوّل عصر الصناعة عصر النهضة إلى شكل فني.
ونظرا لأن التكنولوجيا الحديثة المتغلغلة قد خلقت سلسلة كاملة من الظروف الجديدة، أصبح الإنسان واعيا ومدركا للفنون على أنها ( ضد الظروف المحيطة Anti –Environments ) والأسلوب الذي تدرب به الإنسان قديماً على الملاحظة لم تعد له صلة بالعصر الذي نعيش فيه، لأنه يقوم على الاستجابات السيكولوجية والمفاهيم التي تأثرت بالتكنولوجية القديمة- تكنولوجية الميكنة- وقد يفسر هذا (عصر القلق ) الذي نعيش فيه، فنحن نشعر بالقلق لأننا نحاول أن نقوم بعمل اليوم بأدوات الأمس، وبمفاهيم الأمس.
وقد أصبح الشاب اليوم يدرك بالفطرة الظروف الحالية المحيطة أي الدراما الكهربائية، فهو يعيش بعمق، وربما كان هذا هو السبب في الفجوة الكبيرة الموجودة بين الأجيال، فالحروب والثورات والتمرد المدني هي من ظواهر الظروف الجديدة المحيطة التي خلقتها وسائل الأعلام الكهربائية، فقد أصبح زمننا هو زمن عبور الحواجز لإزالة الفئات القديمة، وللبحث عما حولنا، وتعمل الثقافة الغربية الرسمية على جعل وسائل الأعلام الجديدة تقوم بمهام الوسائل القديمة، لذلك نشهد حاليا أوقاتاً صعبة نتيجة للتصادم بين تكنولوجيتين عظيمتين، فنحن نقترب من الجديد بالاستعداد السيكولوجي للقديم، وباستجاباتنا الحسية الملائمة للقديم، وهذا الصدام يحدث بالطبع في المرحلة الانتقالية،فالفن في أواخر العصور الوسيطة عبّر عن الخوف من تكنولوجية المطبوع بفكرة رقصة الموت.
واليوم يتم التعبير عن مخاوف مماثلة في مسرح العبث، والإنسان لم يكن يدرك أبدا القواعد الأساسية لنظم ظروفه المحيطة أو ثقافات الظروف المحيطة، ولكن اليوم نظراً لأن ظروفنا المحيطة أصبحت تتغير بسرعة،أصبحنا قادرين حاليا على رؤية المستقبل، من الظروف المحيطة الحالية. فالفلسفة الوجودية ومسرح العبث هي ظواهر المحيط الجديد الذي يعتمد على الكهرباء،هذه الظواهر تمثل الفشل الشائع الناتج عن محاولتنا أن نقوم بالعمل المطلوب الذي تتطلبه الظروف الجديدة المحيطة بأدوات أو وسائل الظروف القديمة.
والمهم أن أي (رسالة ) أو أي (وسيلة) أو أي تكنولوجيا، هي تغيير للمدى أو المساحة أو الشكل الذي تدخله في الشئون البشرية.لم تدخل السكة الحديد الحركة أو المواصلات أو الطريق، في المجتمع البشري، ولكنها عملت على توسيع نطاق Scale تلك المهام البشرية السابقة،خالقة أنواعا جديدة من المدن، وأنواعا جديدة من العمل ووقت الفراغ،حدث ذلك في أي مكان عملت فيه السكة الحديد، بشكل مستقل تماماً عن الحمولة أو المضمون الذي تحمله السكة الحديد كوسيلة للمواصلات، والطائرة من ناحية أخرى، بإسراعها بالمواصلات تميل إلى حل شكل السكة الحديد في المدينة والسياسة والارتباط، مستقلة تماما عن استخدامات الطائرة المختلفة أو ما تحمله.
إذا عدنا مرة أخرى إلى نموذج الضوء الكهربائي نجد أنه سواء استخدام في عمل عملية جراحية في المخ أو في إضاءة مباراة الكرة السلة، فهذا ليس مهماً، نستطيع أن نقول أن أوجه النشاط تلك هي بشكل ما مضمون الضوء الكهربائي، حيث أنها لا يمكن أن تتواجد بدون ضوء كهربائي.هذه الحقيقة تصور وجهة النظر التي تسيطر على مدى الارتباط البشري وشكله وعلى العمل البشري، أما المضمون أو استخدام الوسيلة فهو متنوع ولا يؤثر على تشكيل الارتباط البشري، ولكن الملاحظ أن مضمون أي وسيلة يلهينا عن طبيعة الوسيلة نفسها، والضوء الكهربائي لا يلفت انتباهنا كوسيلة اتصال لأنه ليس له ( مضمون) وهذا يجعله مثالا طيبا لا ظهار الطريقة التي يفشل بسببها الناس تماما في دراسة وسائل الأعلام، فإذا لم يستخدم الضوء الكهربائي في عرض اسم سلعة فلن يلاحظه أحد كوسيلة،وفي هذه الحالة، فأن الضوء وليس ( المضمون ) الذي هو في الواقع وسيلة أخرى، وهو الذي لم تتم ملاحظته.
رسالة الضوء الكهربائي مثل رسالة الطاقة الكهربائية في الصناعة جذرية وشاملة وغير مركزية،ونظراً لأن الضوء الكهربائي والطاقة منفصلان عن استخداماتهما إلا أنهما يستبعدان عوامل الزمن والمساحة في الارتباط البشري، تماما كما يفعل الراديو، والتلغراف، والتليفون، والتليفزيون، خالقين اشتراطا أو اندماجاً Involvement بعمق.
كنا قد تحدثنا عن الأطفال الذين نشأوا عهد التليفزيون، وذكرنا أنهم يختلفون عن الأطفال الذين نشأوا في عهد المطبوع، نلاحظ حاليا أن نسبة كبيرة من الأطفال في المجتمعات الغربية الذين نشأوا في عهد التليفزيون يتركون المدارس في سن مبكرة، والسبب ليس الظروف الاقتصادية أو الظروف الاجتماعية السيئة، ولكن السبب هو أن طفل اليوم هو طفل التليفزيون، فالتليفزيون قدم ظروفا جديدة لتكييف بصري منخفض Low Visual Orientation واشتراك مرتفع، الأمر الذي يجعل قبول أسلوب التعليم القديم صعباً.قد تكون أحدى الاستراتيجيات لمواجهة هذه المشكلة هي رفع المستوى البصري لصورة التلفزيون لتمكن التلميذ من الوصول إلى مستوى يقترب من العالم البصري القديم لحجرة الدراسة والمناهج المقررة، وهذا يستحق التجربة كحل مؤقت، ولكن التليفزيون عنصر واحد من عناصر الجو الإلكتروني المحيط الذي يعتمد على شبكة أو دائرة الكترونية جاءت مباشرة، بعد العالم الذي اعتمد على العجلة والصامولة والمسمار. لقد أصبح لزاما علينا أن نسهل انتقالنا من العالم البصري المجزأ، أي عالم المطبوع، حتى نصل إلى أسلوب للتعليم نستخدم فيه كل وسيلة حديثة متوافرة.
حاليا يسمح لشباب اليوم بادراك معالجة التراث التقليدي للبشرية من خلال باب الوعي التكنولوجي، فقد أغلق المجتمع هذا الباب الوحيد الممكن ذلك لأن المجتمع ينظر إلى الشاب من خلال مرآة تعكس الأشياء والخليقة (أي الماضي) يعيش الشباب اليوم بعمق في عالم خيالي أو سحري بينما يواجه – عندما يتعلم – ظروفا منظمة على أساس المعلومات المصنفة، أي الموضوعات غير المتصلة التي يتم إدراكها بصريا على أساس خطي. لا توجد أمام الطالب وسيلة للاشتراك ولا يستطيع أن يكتشف كيف تتصل المشاريع التعليمية بعالمه الخيالي الذي يتحرك فيه، وعلى المؤسسات التعليمية أن تدرك بسرعة أننا نعيش في حرب بين تلك الظروف المحيطة ووسائل الأعلام الأخرى، غير الكلمة المطبوعة، فالفصل الدراسي في كفاح مرير من اجل الحياة في العالم الخارجي الذي خلقته وسائل الأعلام الحديثة، ويجب أن ينتقل التعليم من التدريس، ومن فرض صور مطبوعة أو متماثلة على الطلبة إلى الكشف والاكتشاف والتعمق.
والوسيلة هي الرسالة، تعني بالإضافة إلى ذلك، أشياء أخرى فقول ماكلوهان يشير أيضا إلى أن لكل وسيلة جمهوراً من الناس الذين يفوق حبهم لهذه الوسيلة اهتمامهم بمضمونها، بمعنى آخر التليفزيون كوسيلة هو محور لاهتمام كبير، فكما يحب الناس أن يقرءوا من اجل الاستمتاع بممارسة تجربة المطبوع، وكما يجد الكثيرون متعة في التحدث إلى أي شخص في التلفون، كذلك يحب البعض التليفزيون بسبب الشاشة التي تتحرك عليها الصور، والصوت.
ع لاوة على ذلك،(الرسالة) في الوسيلة هي تأثير الأشكال التي تظهر بها على المجتمع.الرسالة المطبوعة كانت كل جوانب الثقافة الغربية التي أثر عليها المطبوع، والرسالة في وسيلة السينما هي مرحلة الانتقال من الروابط السطرية إلى الأشكال، كذلك يقترح ماكلوهان أن بناء الوسيلة ذاتها مسئول عن نواحي القصور فيها ومسئول عن مقدرتها على إيصال المضمون، فهناك وسيلة أفضل من وسيلة أخرى في إثارة تجربة معينة، كرة القدم مثلاً،أفضل في التليفزيون منها في الراديو أو في عمود الجريدة، ومباراة كرة القدم الرديئة على شاشة التليفزيون أكثر إثارة من مباراة عظيمة تذاع بالراديو، ولكن على العكس من ذلك أغلب تحقيقات الهيئات النيابية، أقل إثارة للملل في الجريدة عنها في التليفزيون، ويبدو أن كل وسيلة بها (ميكانيزم ) خاص بها يجعل بعض الموضوعات أفضل من موضوعات أخرى.
الوسائل الساخنة والوسائل الباردة:
وقد ابتكر ماكلوهان، في تعريفه لذلك ( الميكرنيزم ) اصطلاحات فئات( الساخن) و (البارد ) ليصف في نفس الوقت بناء وسيلة الاتصال أو التجربة التي يتم نقلها ومدى تفاعلها، وما نطلق عليه كلمة (بارد) تستخدم عادة في وقتنا الحاضر لتعني الجدال الذي ينغمس فيه الناس بشدة، ومن ناحية أخرى (الاتجاه البارد) كان يعني الحياد الذي يميل إلى الابتعاد وعدم الاهتمام، كلمة (ساخن) أصبحت غير مستخدمة حينما طرأت تغيرات عميقة على طريقة النظر للأمور، ولكن التعبير الدارج (بارد) ينقل قدرا إلى جانب الفكرة القديمة (ساخن) فهو يشير إلى نوع من الالتزام والمساهمة في ظروف تتضمن قدرات الفرد كلها.
ماكلوهن لا يهاجم فقط السطرية، ولكن أيضا الطبيعة التجريدية للغة المطبوعة التي تعتبر من عناصر قوتها، وبدلاَ من المقدرة على التجريد، يهتم بالمقدرة على التخيّل التي تعتبر محور فكرته أو مفهومه، الذي يقتبس دائما حينما يفرق بين الوسائل (الساخنة ) و ( الباردة).. فالوسيلة ( الساخنة) هي الوسيلة التي لا تحافظ على التوازن في استخدام الحواس أو الوسيلة التي تقدم المعنى، مصنوعاً جاهزاً إلى حد ما، مما يقلل احتياج الفرد للخيال لكي يكون صورة للواقع من العلاقات التي تقدم إليه،أما الوسيلة (الباردة ) فهي الوسيلة التي تحتاج إلى أو تحافظ على التوازن بين الحواس، وتحتاج لقدر كبير من الخيال،ولكن حتى ماكلوهان نفسه لا يتسم بالثبات الكامل في تصنيفه لوسائل الأعلام تحت هاتين الفئتين، فهو يعتبر المطبوع والراديو من الوسائل (الساخنة)، التي تستخدم كل منهما حاسة واحدة، ولا تحتاج (في رأي ماكلوهان ) إلا لقدر بسيط من الخيال، بينما يعتبر الفيلم الناطق والتليفزيون، من (الوسائل الباردة ) التي تحتاج، كما يقول ماكلوهان، إلى أقصى درجة من الجهد الخيالي من جانب المتفرجين. والغريب في نتائج ماكلوهان المتصلة بالاحتياج للخيال أنه، لا يعتمد أساسا على الحاجة للتنظيم والتجريد من القدر الكبير من التجربة المحددة التي يقدمها التليفزيون، ولكنه يهتم أساسا بأسلوب الإدراك، بمعنى أن التليفزيون يقدم عددا كبيرا من نقاط الضوء الصغيرة التي يجب أن تنظمها الأنظمة العصيبة والحسية المركزية، وتكون منها صورة للواقع.
بهذا المعنى يستطيع الفرد أن يعتبر الآلية الذاتية Automation باردة، في حين أن الأنواع الميكانيكية القديمة أو (الوظائف) المجزأة، ساخنة، والشخص التقليدي أو غير المتطور أو المحافظ ليس ( بارداً) لأن قدراته لا تساهم بعمق.
الوسيلة الساخنة أو التجربة الساخنة، درجة وضوحها مرتفعة، High Definition أو هي أقرب للأشياء الطبيعية، فهي على درجة عالية من الفردية، كما أن بها قدرا كبيرا من المعلومات المطلوبة، ولا تحتاج إلى مساهمة كبيرة من جانب المتلقي، أما الوسيلة (الباردة ) فدرجة وضوحها (منخفضة ) والمعلومات التي تنقلها أيضاً منخفضة، وتتطلب من جانب الجمهور مساهمة لتكملة التجربة. صورة التليفزيون درجة وضوحها منخفضة، لذلك يضطر الفرد إلى المساهمة أو الاشتراك سيكولوجيا بدرجة كبيرة،أي يضطر المتفرج إلى أن يملأ المساحات التي يشاهدها بالعقل، كما يفعل بالكارتون، لهذا نجد متفرج التليفزيون أكثر اشتراكا في تكملة الصورة التي يقدمها التليفزيون منه في حالة الفيلم السينمائي، فهو مضطر لبذل مجهود، وهو يستعرض الصور بعينه ليكملها ويملأ نواحي النقص فيها.. يسمي ماكلوهان التليفزيون وسيلة (باردة ) والصحافة وسيلة (ساخنة) بسبب المدى الذي تشترك به حواسنا في كل منها،(وتأثير كل وسيلة على بناء المجتمع يتوقف،إلى حد كبير، على درجة حرارتها ) فإن الوسيلة الساخنة تسمح بمساهمة أقل من الوسيلة الباردة، فالمحاضرة مثلا تسمح بمساهمة أقل من الندوة ( السمنار) والكتاب يحتاج إلى مساهمة أقل من الحوار، والكارتون وضوحه أو دقته (منخفضة) ذلك لأنه يقدم قدرا بسيطا من المعلومات...فهو بارد.

المطبوع وسيلة ساخنة، يفرض نمطه على الصفحة، يتكرر بلا نهاية، وهو يقوم على التجريد، ويحمل المطبوع الإنسان بعيدا عن العلاقات الوثيقة التقليدية المعقدة إلى أسلوب الحياة الحديثة، من القبلية إلى الأممية، ومن الإقطاع إلى الرأسمالية، ومن الحرفية إلى الإنتاج على نطاق واسع، ومن الحكمة إلى العلم، والمطبوع يقوم على تعدد الرسائل والأنماط بشكل لا نهائي<

الترجمة

Archives du blog

عن المدونة

نسعى في هذه المدونة الى عرض آخر الاصدارات من كتب ومجلات علمية في مجال الاعلام والاتصال وخاصة في ما يتعلق بنظريات الاعلام والاتصال ومنهجية البحث العلمي لتكون بذلك هذه المدونة مصدرا لطلاب العلم وتكون فضاءا لتبادل المعلومات والافكار

Membres